سياحة الكوارث .. أحدث صيحات الرحلات لمشاهدة البراكين وانهيار الجليد
في الماضي، كان انفجار البراكين يدفع الناس إلى الهرب خوفاً على حياتهم، والابتعاد عن المكان قدر الإمكان، لكن في عام 2023، أصبحت هذه الانفجارات تدفع بالسياح إلى حجز رحلة باتجاه المكان الذي تقع فيه لكي يشاهدوها بأم العين، بينما أضافت الشركات السياحية إلى جداول وجهاتها رحلات “لا تفوت” يمكننا أن نصفها بأنها سياحة الكوارث وتهدف لزيارة البراكين. يزيد انجذاب المسافرين إلى هذه التجارب التي تسمى رحلات “من العمر”، دون أن يولوا الاهتمام الكافي لمسؤولية تغير المناخ عن الأحداث التي يتدفقون لمشاهدتها.
تصنف الرحلات نحو الأماكن المتضررة من آثار حالة الطوارئ المناخية تحت خانة “سياحة الكوارث”. وتعرف سياحة الكوارث على أنها السفر نحو وجهات مهددة بيئياً لمشاهدتها قبل أن “يفوت الأوان”، وهي تنتشر في كل أنحاء العالم من القطب المتجمد الجنوبي (أنتاركتيكا) وصولاً إلى الغطاء الجليدي الآخذ في الذوبان في باتاغونيا، ومن الحيد المرجاني العظيم إلى وادي الموت في الولايات المتحدة حيث درجات الحرارة في ازدياد مستمر. أما أحدث هذه الوجهات فهي الانفجارات البركانية في أيسلندا.
وقعت في هذه الدولة الجزرية الشمالية وحدها، ثلاث انفجارات بركانية خلال السنوات الثلاث الماضية. وجدت الدراسات أن زيادة نشاط البراكين مرتبط بذوبان الجليد في المناطق البركانية، الذي يزيد ضغط السطح، بالتالي يزيد احتمال حصول الفورات البركانية. وفي مناطق أخرى، في مطلع 2023، سجل الجليد البحري في القطب المتجمد الجنوبي أدنى مستوياته على الإطلاق، وهذا من النتائج المتوقعة لتغير المناخ. في المقابل، تلامس درجات الحرارة المسجلة في وادي الموت في ولاية نيفادا الأميركية بسرعة أعلى المستويات المسجلة على سطح الأرض على الإطلاق (56.7 درجة مئوية)، وقد بلغت 53.3 درجة في 16 يوليو (تموز) 2023. وقد أسفرت موجات الحرارة البحرية عن ست ظواهر ابيضاض للحاجز المرجاني العظيم على نطاق واسع، فيما تأثرت 91 في المئة من الشعاب المرجانية بظاهرة الأبيضاض اعتباراً من عام 2023.
وفيما قد تتوقعون أن تثني هذه الظواهر المقلقة التي تسبب بها تغير المناخ الناس عن السفر، الواقع هو أنها حفزت السياحة في حالات عدة. ازداد عدد الزيارات إلى القطب المتجمد الجنوبي بشكل هائل، حيث قصد 105331 زائراً المكان خلال موسم 2022-2023 في الجنوب – أي بزيادة 40 في المئة عن الرقم القياسي للزوار المسجل قبل الجائحة، خلال موسم 2019-2020، والذي بلغ 74381 شخصاً.
ومن ناحية أخرى، بلغت معدلات السياحة في أيسلندا مستوى قياسي في عام 2019، مع مليوني زائر، لكن في أقل من ثلاث سنوات، تعود أعداد الزوار إلى مستوياتها قبل الجائحة، وأحد الأسباب هي الجاذب الكبير للفورات البركانية. وربما يكون أكثر مثال صارخ على سياحة الكوارث ما حدث في يوليو (تموز) 2023، حين سجل متوسط درجات الحرارة على كوكب الأرض مستويات قياسية ثلاث مرات في أسبوع واحد، إذ تدفق السياح عندها إلى وادي الموت الواقع في المنطقة الحدودية بين ولايتي كاليفورنيا ونيفادا – الذي يعد أكثر منطقة انخفاضاً في العالم وأشدها حرارة وجفافاً – لكي يلتقطوا صور سيلفي لأنفسهم قرب ميزان الحرارة الشهير في المتنزه الوطني، الذي سجل 132 درجة فهرنهايت (أو 56 درجة مئوية). شكلت صور الأفراد المبتسمين وهم يرفعون إبهامهم بعلامة إعجاب قرب لافتة تظهر حرفياً الارتفاع المتسارع لدرجات حرارة الكوكب مشهداً متنافراً وصارخاً.
وفي حديثها مع صحيفة “اندبندنت” عن هذا الموضوع، قالت المرشدة السياحية في القطب الجنوبي نينا غالو إن دوافع معظم السياح لزيارة المكان إيجابية إلى حد كبير. ولفتت إلى أن “غالبية السياح ينجذبون إلى زيارة القطب المتجمد الجنوبي بسبب الجليد أو الحيوانات البرية أو لكي يتشاركوا تجربة لا تنسى مع عائلتهم وأصدقائهم”، لكن يستحيل أن ننكر بأن أحد أسباب الارتفاع في عدد الزيارات هو تأثير عقلية “سياحة الفرصة الأخيرة”. ومن جهته يعتبر جيريمي كلاب، مؤسس الرحلات السياحية البحرية Antarctica Cruises أن الارتفاع في عدد الزوار إلى القطب الجنوبي “فاقمته أزمة تغير المناخ الراهنة، حيث بدأت الرحلات الآن تأخذ طابع العجالة، مع ازدياد المخاوف من تأثير الأزمة على المنطقة. يمكننا أن نقول برأيي، إن المسافرين يعتبرون هذه الوجهة أولوية في السفر قبل فوات الأوان”.
على امتداد الحيد المرجاني العظيم، تحول الخوف من ابيضاض الشعاب المرجانية إلى سبب أساسي لزيارتها خلال العقد الماضي، إذ قال 69 في المئة من السياح الذين استطلعت آراؤهم في شأن الزيارة إن ما حفزهم هو الرغبة برؤية المرجان قبل فوات الأوان، وفقاً لورقة أكاديمية نشرت في مجلة السياحة المستدامة (Journal of Sustainable Tourism) بعنوان “سياحة الفرصة الأخيرة والحيد المرجاني العظيم”. وفيما وجد استطلاع آراء 235 زائراً أن أغلبيتهم يتمتعون بوعي بيئي أكثر من السائح العادي، ولديهم قلق أكبر على سلامة الحيد بشكل عام، فالذي جذبهم عموماً هو “سياحة الكوارث”: الرغبة برؤية المكان قبل أن يتضرر بشكل بالغ من تغير المناخ.
بالطبع، ليس الناس أشراراً لأنهم يرغبون برؤية شيء قبل أن يختفي. ففي عالم يحذرنا من أن كوكب الأرض كما نعرفه قد يتغير كلياً خلال حياتنا، حيث تحاصرنا منشورات لا تنتهي على وسائل التواصل الاجتماعي عن أماكن قد لا نراها أبداً بأنفسنا، وفي ظل شعورنا بأننا خسرنا وقتاً ثميناً جداً بسبب جائحة عالمية، قد يشعر كثيرون بالحاجة إلى المسارعة في زيارة هذه المناطق طالما ما زالوا قادرين على ذلك. ويقر كلاب بتأثير قيود كوفيد على زيارة القطب الجنوبي “خلال السنتين الماضيتين فقط، ازداد البحث حول العالم عن “رحلات بحرية سياحية في القطب الجنوبي” بنسبة 600 في المئة. لطالما كان الفضول في شأن القطب الجنوبي موجوداً، لكن بعد الجائحة، وصلت الرغبة بتجربة مغامرات من العمر إلى مستويات جديدة”.
كما أن زيارة المواقع المتضررة بشكل بالغ من تغير المناخ قد يكون تجربة تثقيفية، وضعت كريستي هيهير ورقة بحثية بعنوان الفرصة الأخيرة للحيوانات البرية: الاستفادة من السياحة في المحافظة على البيئة، درست فيها السلوك الإنساني للسياح، وزعم عدد كبير من المشاركين في استطلاعها بأن مشاهدة آثار الانهيار البيئي غيرت في سلوكهم بعد ذلك، فاشتدت رغبتهم بحماية البيئة، لكن من الضروري إيجاد توازن بين احتمال تغيير السلوك من جهة، والانبعاثات التي تترتب على زيارة هذه الأماكن في الأساس، إذ تنتج الرحلة الجوية 90 كيلو من ثاني أكسيد الكربون في الساعة لكل راكب، بينما تصل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الرحلة على متن سفينة سياحية في القطب الجنوبي إلى 4.1 طن بالمعدل لكل راكب.
من المهم نشر الوعي حول المواقع التي تتحمل أسوأ عواقب تغير المناخ، فيما يعد افتتان البشر بالظواهر الجوية أو الطبيعية أمراً حتمياً، لكن عند دراسة خيار القيام بـ”رحلة من العمر”، ربما علينا التفكير في أن زيارة هذه الأماكن “قبل أن تختفي” هي بالتحديد ما يسهم في تسريع اختفائها.