الدكتور أحمد عمر هاشم يكتب: الدعوة إلي الأمان ومقاومة العنف
إن المرحلة التي تمر بها أمتنا, تستوجب علينا أن ندعو الي الأمان, والي الاستقرار والاطمئنان, فهي مرحلة فارقة, نعبر فيها بمجتمعنا الي شاطئ الأمن والبناء, والتنمية والعطاء الحضاري,
ولا يتسني هذا إلا في ظلال الأمن الوارفة, والتمسك بالهدي الرباني الذي يحمي حقوق الانسان, وبالتوجيه النبوي الذي دعا إلي التناصح والي وحدة الصف, والي الأمن والسلام.
ولقد عصم الله رسوله صلي الله عليه وسلم وحفظه من كل سوء, ورد كيد أعدائه في نحورهم, ورد القرآن علي أهل البهتان الذين تطاولوا علي مقام رسول الله صلي الله عليه وسلم قديما, حين ادعي أحدهم أنه أبتر أي مقطوع الذكر, فأنزل الله تعالي: إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر.
فالرسول مرفوع الذكر, ورفعنا لك ذكرك] ويظل اسمه مقترنا باسم رب العزة في كل تشهد وفي كل أذان, وفي شهادة التوحيد التي يرددها جميع الخلق في كل وقت وحين يقولون نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدا رسول الله, وجاء التعبير القرآني حاملا الوعيد العام في كل زمان ومكان لكل من يبغض رسول الله صلي الله عليه وسلم إنه يكون أبتر كما قال تعالي:, إن شانئك هو الأبتر] أي أن مبغضك هو المقطوع.
ومعلوم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم هو حبيب الله, وقد خصه ربه بأنه حامل لواء الحمد يوم القيامة, وأنه أول شافع وأول مشفع وأول من يحرك بحلق الجنة فتفتح له, وأنه أكرم الأولين والآخرين علي الله, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ينتظرونه, فخرج حتي إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فتسمع حديثهم, فإذا بعضهم يقول: عجبا إن الله اتخذ من خلقه خليلا, فإبراهيم خليله, وقال آخر: ماذا بأعجب من أن كلم الله موسي تكليما, وقال آخر فعيسي كلمة الله وروحه, وقال آخر: وآدم اصطفاه الله, فخرج عليهم فسلم وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم, إن ابراهيم خليل الله وهو كذلك, وموسي نجيه وهو كذلك, وعيسي روحه وكلمته وهو كذلك, وآدم اصطفاه الله وهو كذلك, ألا وأنا حبيب الله ولا فخر, وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه ولا فخر, وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر, وأنا أول من يحرك بحلق الجنة ولا فخر فيفتح الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر, وأنا أكرم الأولين والآخرين علي الله ولا فخر رواه الدارمي, وقد خصه الله تعالي ببعض الخصائص التي يتضح منها علو منزلته وعموم رسالته, وعالمية دعوته.
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي, وأعطيت الشفاعة, وكان النبي يبعث الي قومه خاصة وبعثت الي الناس عامة رواه البخاري ومسلم.
وكان لدعوته صلي الله عليه وسلم خصائص العموم والخلود, فقد جاء بالرحمة للعالمين, كما قال الله تعالي: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين, وبشرت به الكتب السابقة من التوراة والانجيل قال الله تعالي: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث, وقال الله سبحانه ـ حكاية عن سيدنا عيسي عليه السلام:.. ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد سورة الصف(6).
ومن خصائص عموم رسالته وخلودها: حماية الحرمات ففي حجة الوداع أكد رسول الله صلي الله عليه وسلم حماية حرمة النفس وحرمة المال وحرمة العرض, حيث قال إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
ولم يبح قط أن يتعرض أحد لأحد بسوء مادام يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله لأن كلمة التوحيد تعصم دم صاحبها لا يحل دم أمرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدي ثلاث: النفس بالنفس, والثيب الزاني, والتارك لدينه المفارق للجماعة.
وحرم أي مساس بحرمة النفس الانسانية المؤمنة حتي ولو كان ذلك في الغزو أو في غيره, عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله, فطعنته, فوقع في نفسي من ذلك, فذكرته للنبي صلي الله عليه وسلم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أقال: لا إله إلا لله وقتلته؟ قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح قال: أفلا شققت عن قلبه حتي تعلم من أجل ذلك قالها أم لا؟ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ فما زال يكررها حتي تمنيت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
لقد جاءت رسالة الرسول صلي الله عليه وسلم حامية لحقوق الانسان المسلم وغير المسلم من كل من له عهد وأمان, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ومن خرج علي أمتي برها وفاجرها, لا يتحاشي من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه إنه عليه الصلاة والسلام لا يضر من يعتد علي من له عهد وأمان في أرض الاسلام مادام لم يحارب المسلمين كما قال الله سبحانه وتعالي:, لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين].
وعندما مرت عليه جنازة, فقام إليها وقيل له: إنها جنازة يهودي قال: أوليست نفسا؟ أي أنه صلي الله عليه وسلم يحترم حرمة النفس الانسانية أيا كان دينها حتي ولو كان صاحبها غير مسلم.
إن المتتبع للهدي النبوي في سائر مجالات الحياة يري أنه لولا رسول الله صلي الله عليه وسلم لضلت الحياة ضلالا مبينا, وحار الناس في دروبها المعتمة, فقد كانت البشرية جمعاء, قبل بعثة خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام في حيرة وظلام, وشكوك وأوهام وظلم وإجرام, يسود فيهم قانون الغاب, والغلبة إنما هي للأقوي, وويل للضعيف من القوي وما إن بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا جاء بالحق والعدل, وهدي الناس الي صراط ربهم المستقيم وأخرجهم من الظلمات إلي النور.
وجاء بالرحمة العامة, فقد جعل الله تعالي الرحمة جوهر رسالته وقصر رسالته علي الرحمة, وقال الله سبحانه: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين سورة الأنبياء(107).
وقد بين الرسول صلي الله عليه وسلم أنه أمان لأهل الأرض من عذاب الاستئصال الذي كانت تؤاخذ به الأمم السابقة, حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الله أعطي هذه الأمة أفانين من العذاب ثم تلا قول الله تعالي:, وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون], ثم قال: فإذا مضيت تركت فيكم الاستغفار, أي ان حياته صلي الله عليه وسلم كانت أمانا من عذاب الاستئصال وبعد انتقاله صلي الله عليه وسلم علينا بالاستغفار, وجاء المنهج النبوي رحمة للعالمين, ودعا جميع الناس الي السير في الحياة بالأمن والسلام, والبعد عن العنف والتشدد, ووضح الرسول صلي الله عليه وسلم علامة المسلم الكامل في إسلامه وهي سلامة الناس منه المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, وبين علامة المؤمن الكامل في إيمانه والمؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم فالذين لا يأمنهم الناس ليسوا مسلمين كاملين ولا مؤمنين كاملين في ايمانهم فعليهم أن يثوبوا إلي رشدهم وأن يتتبعوا منهج الإسلام الداعي إلي الأمان وإلي السلم والاطمئنان, وأن يقتدوا بهدي رسول الله صلي الله عليه وسلم مصداقا لقول الحق تبارك وتعالي: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا.