جمال الغيطاني يكتب: ميليشيات موازية
مر أكثر من أسبوعين على نشر هذا الخبر الخطير ولم يتوقف عنده أحد.
مر هذا الخبر بما لا يتوازى مع خطورته، «لجنة المحروقات بحزب الحرية والعدالة أعدت كميناً قرب نفق الشهيد أحمد حمدى وضبطت كمية سولار كبيرة مهربة إلى غزة».
جيد ضبط السولار المهرب ولكن كانت صحة الموقف ستكتمل لو أن الداخلية أو الجيش أو أى مؤسسة أمنية تابعة للدولة المصرية هى التى قامت بالضبط، أما لجنة تتبع حزباً فهذا يعنى أن عصر الميليشيات بدأ، إضافة إلى دلالات أخطر، متى تكونت هذه اللجان؟ من هم الأعضاء؟ أى تسليح يملكون؟
إن معنى «كمين» دال على أفراد مدربين وأسلحة متطورة، وإذا كان اسم اللجنة التى قامت بالضبط لجنة المحروقات فهل يعنى هذا وجود لجان أخرى لنواحى النشاط المختلفة؟
اللجنة تابعة لحزب الحرية والعدالة الحاكم، ماذا لو ظهرت لجنة أخرى تتبع الوفد أو حزب النور أو أى حزب آخر، تضم مدربين وتحمل سلاحاً؟
ومع تعدد الميليشيات وخطورة ظهور الاحتكاك بينها وبين أطراف أخرى سيظهر العنف المنظم وغير المنظم، تلك خطورة الميليشيات المسلحة التابعة لأحزاب أو جماعات أو أفراد وقيامها بمهام مؤسسات الدولة.
لم تعرف مصر ظاهرة الميليشيات الخاصة إلا فى العصر المملوكى الثانى، عندما أصبحت مصر ولاية عثمانية تتبع إستانبول وأصبح لكل أمير جيشه الخاص.
وانتهى الدور الحافظ للدولة وبدأ تحللها إلى أن وصل الحال إلى الاقتتال المستمر، وأصبح ذلك معتاداً فى القاهرة، وكانت جثث الضحايا تظل ملقاة لأوقات طويلة حتى يتصدق البعض بدفنها.
أى بديل لدور الدولة يعنى تثبيت الفوضى وبدء الطريق إلى الحرب الأهلية، كل الصراعات العنيفة تبدأ هكذا، خلخلة الدولة، تقويض مؤسساتها ثم دخول العصابات البديلة التى ترفع شعارات أيديولوجية، وهذا ما جرى فى سوريا التى أدت ظروفها إلى دخول جيشها القوى طرفاً فى الصراع، وهذا ما حمى الجيش المصرى بلادنا منه.
إن المأساة المروعة التى تعيشها سوريا الآن والتى يقف العالم متفرجاً عليها بدأت بمجموعات أصغر من اللجان التى قرأنا عنها ثم استشرت كالنار فى الهشيم.
ما يجب أن نحول دون ترسيخه تلك الأدوار البديلة للدولة وبدلاً من إنشاء لجان الضبط والكمائن بواسطة حزب الحرية والعدالة عليه أن يدعم وزارة الداخلية لمساعدتها على العودة إلى دورها الأساسى فى منظومة الدولة، ولكن من الواضح أن الوزير الحالى يمكن الجماعة من الوزارة.
يوم الجمعة الماضى رحت أتابع معارك الشوارع بين ميليشيات الإخوان التى ظهرت أولا فى شكل عسكرى، سواء من ناحية التكتيكات أو المظهر، حيث رأينا لأول مرة شبابا يحيطون رؤوسهم بعصابة خضراء مثل قوات الحرس الثورى الإيرانى.
وكل هؤلاء يقومون بهجمات شرسة ضد الشباب الذى تظاهر ضد محاولات إسقاط القضاء وضد الكتاب والصحفيين وكان الاعتداء الوحشى على الكاتب والصحفى نبيل زكى الذى كاد يلقى حتفه على أيدى هذه الميليشيات.
هناك قوة عسكرية إخوانية موازية للجيش يجرى التوسع فى بنائها الآن وهذا خطير، خاصة أن كل الوقائع تدل على علاقات وثيقة بين الجماعة الحاكمة فى مصر وحركات سياسية لها أجنحة عسكرية تدخلت فى مصر خلال وقائع لا تزال ملفاتها مفتوحة، مثل إطلاق السجناء فى يناير أثناء الثورة واغتيال ستة عشر جندياً من رجالنا فى رفح، إلى جانب الاشتباك الذى جرى خلال هذا الأسبوع شرق العوينات.
وجود ميليشيات ذات صفة عسكرية موازية للجيش بداية طريق طويل سيؤدى إلى المصير السورى أو الصومالى دون أى مبالغة يجب إيضاح الحقيقة حول هذه الميليشيات ومنعها تماماً من الوجود والنمو.