صلاح عيسى يكتب: متى تحصل «ريا» و«سكينة» على قلادة بطل ثورة 1919؟
بعد ما يقرب من مائة عام، على إعدام السفاحتين «ريا بنت على همام» و«سكينة بنت على همام» فى مثل هذه الأيام من عام 1921، أعلنت جريدة «الوفد» أمس الأول، أنهما بريئتان من كل التهم التى وجهت إليهما، وإلى شركائهما الأربعة – حسب الله وعبدالعال وعرابى وعبدالرازق – بقتل 17 من البغايا، وسرقة مصوغاتهن، وصدر الحكم بإعدامهم بسبب ذلك، هى تهم ملفقة، نسبتها إليهم سلطة الاحتلال البريطانى، لأن «ريا» و«سكينة» كانتا عضوين فى الجهاز السرى لثورة 1919، الذى كان منوطاً به اقتناص جنود الاحتلال البريطانى، وكبار الموظفين الإنجليز فى الإدارة المصرية، ولما انكشف أمرهما لفق الإنجليز لهما هذه القضية، التى انتهت بإعدامهما، وتشويه سمعتهما.
المصدر الذى استندت إليه جريدة «الوفد» فى ترويج هذه الشائعة التاريخية المضحكة، هو مخرج سينمائى شاب، ذكر منذ أكثر من عامين فى أكثر من حديث صحفى، أنه اكتشف وثائق تاريخية، تثبت أن «ريا» و«سكينة» كانتا تناضلان ضد الاحتلال البريطانى، وأن معظم ضحاياهما، كانوا من جنود وضباط جيش الاحتلال البريطانى، وأن افتضاح أمرهما هو الذى دفع سلطات الاحتلال لتلفيق القضية التى نظرتها محكمة جنايات الإسكندرية، وانتهت بإعدام ستة من المتهمين فيها.. ومع أن الوثائق التى ذكر صاحب الرواية أنه عثر عليها لم تظهر ولم تنشر، وقيل إنها سوف تتحول إلى فيلم سينمائى انتهى صاحب الرواية من كتابته وحصل بالفعل على موافقة الرقابة عليه، ثم تحول فجأة إلى برنامج تليفزيونى بثته محطة الـB.B.C البريطانية وانتقل منها إلى شبكة «اليوتيوب» ليصبح مصدراً معتمداً للموضوعات الصحفية التى يطالب كتابها بتغيير اللقب الذى تحمله كل من الأخت الفاضلة «ريا بنت على همام» والسيدة المحترمة «سكينة هانم بنت على همام» من «السفاحة» إلى «المناضلة» ومن «القوادة» إلى «الشهيدة»، ويلحون على من يعنيهم الأمر فى رئاسة الجمهورية بمنح اسم كل منهما قلادة ثورة 1919!
ما يدعو للدهشة أن أحداً من الصحفيين ومقدمى البرامج التليفزيونية الذين يكررون الترويج لهذه الأسطورة التاريخية المضحكة، لم يكلف نفسه، قبل أن ينشر حرفاً واحداً عن هذا الادعاء – عناء سؤال الذين يروجون لها عن الوثيقة أو الوثائق التى يستندون إليها فى إثبات أن كلاً من «ريا» و«سكينة» أو أحداً من أعوانهما، كان عضواً فى الجهاز السرى لثورة 1919، ولم يقدموا أى دليل على ذلك فى التحقيقات التى أجريت مع من تم ضبطهم أو محاكمتهم من أعضائه، أو من أفلتوا من العقاب ونشروا مذكراتهم بعد انتصار الثورة.
أما لماذا لم يفعلوا ذلك، فلأن النظام السرى لثورة 1919، لم يكن يضم فى عضويته نساء، وعلى عكس ما يدعى هؤلاء – فإن كل ضحايا عصابة «ريا» و«سكينة» كانوا من النساء وليس من الرجال، وبالتالى فلم يكن بينهم جندى أو ضابط واحد من جنود أو ضباط جيش الاحتلال.
لم تكن عصابة «ريا» و«سكينة» إذن مجموعة من المناضلين ضد الاحتلال، ولكنهم كانوا بعض ضحايا ما أصاب مصر والمصريين من كوارث وأوبئة ومجاعات، خلال الحرب العالمية الأولى، التى لم يكن لهم ولا لبلدهم ناقة ولا جمل، فلم يجدوا ما يسد جوعهم، سوى أن يتاجروا فى لحوم غيرهم من البشر، ويتخذوا من الدعارة السرية، تجارة يتقوتون من أرباحها، حتى يحل عليهم الدور، فيرحلون خلف جيوش الحلفاء يزحفون على بطونهم لكى يجدوا ما يقتاتون به.
ما أريد أن أؤكده، بحكم أننى أرخت فى كتابى «رجال ريا وسكينة/ سيرة سياسية واجتماعية»، استناداً إلى ملف التحقيقات فى الجرائم التى نسبت إليهما، وهى الوثيقة التاريخية الوحيدة المتاحة حتى الآن لتاريخ الاثنتين، فلم أجد حرفاً واحداً يدل على الادعاء بأنه كان لهما دور سياسى من أى مستوى.
وكل ما أريد أن أنبه إليه كل من يريد أن يغير حقائق التاريخ الثابتة، لابد أن يتأكد أولاً أن بين يديه الوثائق التى تدل على ذلك.
وكل ما كنت أتمنى أن تتنبه له جريدة «الوفد» – وهى الجريدة التى تنطق باسم الحزب الذى قاد ثورة 1919 – هو أن تتثبت أولاً من أن هناك وثائق تثبت أن «ريا وسكينة» كانتا عضوين بالجهاز السرى لثورة 1919، قبل أن تندفع فتمنحهما «قلادة بطل ثورة 1919»، فتسىء إلى الثورة، وتضع أكاليل الغار على رأس «ريا وسكينة» دون مبرر!