الدكتور شوقي السيد يكتب: حالة الطوارئ!
■ بعد أن تجملت نصوص قانون الطوارئ بالقانون 22، الذى نُشر فى 7 مايو عام 2020، بإضافة مادة جديدة جمعت 17 بندًا، بعد مضى ستين عامًا على تطبيق القانون، صاحب العمر المديد منذ عام 1958، قرر «الرئيس»، مساء يوم 25 أكتوبر 2021، «إنهاء حالة الطوارئ فى جميع أنحاء البلاد، معلنًا أن مصر قد أصبحت واحة للأمن والاستقرار بفضل شعبها ورجالها الأوفياء ».
■ وقد كتبت، من قبل، عن نصوص القانون، بعد أن تجملت ورَدّت إليه اعتباره، فى مقال نُشر فى ذات المكان يوم 15 مايو من العام الماضى، بمناسبة الإضافة التى منحت الحكومة سلطات جديدة إلى السلطات الاستثنائية وفقًا لقانون الطوارئ، تستطيع الحكومة بمقتضاها إقامة التوازن الاقتصادى والاجتماعى فى البلاد، أثناء حالة الطوارئ، لمراعاة الأحوال المعيشية للناس، «بتقرير الإعانات وتأجيل سداد الالتزامات والإقرارات الضريبية، وسداد الاشتراكات وتحديد الأسعار، وحماية السكينة والصحة العامة والسلامة، بسبب الظروف والأحوال التى صاحبت جائحة كورونا، فكانت تحسينًا وتجميلًا لنصوص قانون الطوارئ، وردًّا لاعتباره بعد طول السنين، حال كونه سيئ السمعة.. وتحت الطلب دائمًا !!».
■ وكان سوء السمعة قد لازم تطبيق قانون الطوارئ، أثناء إعلان حالة الطوارئ فى البلاد، بمناسبة الغلو فى تطبيقه، والإفراط فى اتخاذ إجراءاته، على طول عهده، منذ أعلن الجنرال «مكسويل»، فى 2 نوفمبر 1914، أنه «أُمر من جانب حكومة مملكة بريطانيا العظمى بأن يأخذ على عاتقه مراقبة القطر المصرى لكى يضمن حمايته»، وأُعلنت الأحكام العرفية بعدها فى 18 ديسمبر 1914، بموجب القانون 28/1910، بمناسبة مقتل بطرس غالى، رئيس مجلس النظار، وبعدها كانت ثورة 1919، ثم صدور دستور 23، الذى تضمن نصًّا دستوريًّا ينظم حالة الطوارئ شأن كل الدساتير فى العالم .
■ وتوالت تشريعات الطوارئ التى كانت تستدعى تطبيقه، بمجرد الإعلان عن قيام حالة الطوارئ، بمناسبة حرب فلسطين عام 48 ثم حريق القاهرة فى 26 يناير 1952، وقد استمرت حتى 20 يونيو 56، ثم صدر القانون الحالى رقم 162/1958 بشأن حالة الطوارئ، وظل استمرار إعلان حالة الطوارئ واستدعاء تطبيق أحكامه فى كل مناسبة منذ حرب 67 واغتيال الرئيس السادات بعدها .
■ كما استمر إعلان حالة الطوارئ بعدها، وكانت تُحدد مدتها فى كل مرة بثلاث سنوات، حيث تعلن الحكومة حالة الطوارئ ويصدق البرلمان، حتى صارت حالة الطوارئ هى الأصل، ورفعها هو الاستثناء، بما يستتبع تطبيقها من تقييد الحريات والحقوق، واتخاذ إجراءات استثنائية، فى مواجهة حالات الاغتيال وتخريب الاقتصاد والمتاجرة بقوت الشعب والإرهاب، ولهذا كان قانون الطوارئ دائمًا تحت الطلب، ويستدعى تطبيقه بمجرد الإعلان عن حالة الطوارئ لمواجهة الأخطار أو التهديد بوقوع حرب أو اضطرابات أو كوارث أو انتشار الأوبئة أو غيرها من الظروف والأحوال .
■ ونظرًا لاستمرار إعلان حالة الطوارئ على طول الخط، والغلو أحيانًا فى استعمال تدابيرها، رد القضاء فى أحكام كثيرة، غلو الإجراءات وإساءة استعمال السلطات والتدابير، وقضى ببطلانها، لهذا كتبت أثناء حالة الطوارئ، وقبل أن تتجمل نصوصه، مقالًا نُشر فى 15 مايو عام 99، تساءلت فيه عن أسباب فشل الحكومة فى إنهاء حالة الطوارئ، وكانت أسباب الفشل تتحدث عن نفسها !!.
■ والآن بعد أن تجملت نصوص قانون الطوارئ الحالى منذ العام الماضى، ولأول مرة، بعد العمل به لأكثر من ستين عامًا، وما جمعته المادة 154 من الدستور الجديد، من قواعد وضوابط عند إعلان حالة الطوارئ وتحديد مدتها، بمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر فى كل مرة، كان آخرها القرار رقم 290 الصادر فى 18 يوليو 2021 لثلاثة أشهر اعتبارًا من 24 يوليو، تنتهى فى 24 أكتوبر، أصدر الرئيس قرارًا بإلغاء مدها لمدة أخرى، معلنًا إنهاء حالة الطوارئ فى جميع أنحاء البلاد اعتبارًا من 25 أكتوبر.
■ ونلاحظ على هذا القرار أنه صدر مساء يوم 25 أكتوبر، بإعلان على صفحة الرئيس الشخصية، وبهدوء دون احتفال شعبى أو ضجة إعلامية أو زهو شخصى، كما يُلاحَظ كذلك أن ما تضمنه الإعلان من الأسباب «بأن مصر قد أصبحت واحة للأمن والاستقرار بفضل شعبها ورجالها الأوفياء ».
■ وإلى هنا تجدر الإشارة والإشادة بنجاح الحكومة فى إنهاء حالة الطوارئ، والإعلان عن حالة الاستقرار والأمان، والعودة إلى الحياة والقوانين والمحاكمات الطبيعية، وبما يفسح الطريق نحو تعزيز الحريات والحقوق، وفق استراتيجية وطنية واضحة لحقوق الإنسان، سبق الإعلان عنها، ويأتى بعد ذلك، وهو الأهم، أن على الحكومة الالتزام بحسن التطبيق وسلامة فهم النصوص والإيمان بفلسفة الإعلان عن إنهاء حالة الطوارئ، حتى يشعر الناس بتغير الأحوال والزمان، وتقدم البلاد واحترام الحقوق والحريات، وإتاحة الفرص للاختلاف وتعدد الآراء، بل إن الأمر لا يقف عند الحكومة وحدها، وإنما يتعين على الشعب.. كل الشعب، العمل على احترام القانون وتدعيم الاستقرار والالتزام والانتباه مع استمرار اليقظة ضد الشائعات والأكاذيب والمكائد والمؤامرات، سواء فى الداخل أو الخارج، وحتى تنعم البلاد بالاستقرار، وينعم أهلها بالتنمية والرخاء، واحترام الحقوق والحريات، وهى نعم عظيمة، يستفيد منها الجميع، ويسعد بها أهل مصر، وحتى لا يعود بنا الزمن إلى الوراء، والإعلان عن عودة حالة الطوارئ وتطبيق قانون الطوارئ من جديد !!.