الدكتور رفعت السعيد يكتب: عن اليهود فى مصر
الفارق بين الدراما والتاريخ الحقيقى حدده أستاذ أساتذة فلسفة التاريخ ميشيليه فقال هو كالفارق بين الحكايات والثرثرة وحشد الخدع الكلامية وبين الحقيقة، هو فارق ما بين السماء والأرض. فلنأتِ إلى التاريخ لنتعلم.
■ كان عدد اليهود فى مصر 5000 عام 1835، وقفز إلى 62.900 (إحصاء 1937) و65 ألفا فى 1947. بينما تقول وثيقة أمريكية إن عددهم يتراوح بين 70.000 و80000 أى حوالى 5% من السكان ويقيم 95% منهم تقريبا فى القاهرة والإسكندرية والمنصورة وبورسعيد.
■ يقول راشد البراوى إن 98% من العاملين فى البورصة كانوا من اليهود. ويقول مورى هاريس فى كتاب «مصر إذ يحكمها المصريون» (بالإنجليزية) كان الرأسماليون اليهود يشاركون فى إدارة وتوجيه 103 شركات من مجموع الشركات 308 شركات. وإنهم أسهموا فى إنشاء وتوجيه البنوك وشركات التأمين (البنك العقارى- والأهلى – والبلجيكى والتجارى والتأمين الأهلية).
■ أسهم بعض اليهود فى الحركة الوطنية بمختلف اتجاهاتها مثل روزنشتين (الحزب الوطنى) وأصدر كتابا ضد الاحتلال أسماه «دمار مصر»، وروزنتال (اليسار) ليون كاسترو (الوفد) وكان الأخير صديقا لسعد زغلول وأسس أثناء ثورة 1919 مجلة بالفرنسية «ليبيرتيه» (الحرية) لدعم سعد زغلول.
■ مع تصاعد النشاط النازى والفاشى وانتقاله إلى مصر بدأ اليهود فى تأسيس منظمات تستهدف مواجهة الدعاية النازية وتأسست عدة تجمعات منها Essayistes (المحاولين) التى أصدرت مجلة L›efforte (المجهود) وأصدر زكى لينى مجلة بالفرنسية La gerbs (الحزمة) كما أسسوا بالتعاون مع قوى ديمقراطية أجنبية ومصرية منظمة L.I.S.C.A (جمعية مكافحة العداء للسامية).
■ كان للحركة الصهيونية وجود بين كبار أغنياء اليهود ففى 1908 تأسست فى الإسكندرية جمعيتا بن صهيون وزئير صهيون والرسول الصهيونى. وفى الأربعينيات تأسس الاتحاد الصهيونى فى مصر.
■ ككل المصريين كانت الغالبية العظمى من اليهود فقراء فقرا مدقعا وكانت حارة اليهود كما وصفها هاريس «مكانا بائسا تماما ككل أحياء القاهرة الفقيرة».
■ انقسم أبناء الطبقة الوسطى من اليهود والذين تركز نشاطهم فى نادى المكابى بالظاهر إلى خاضعين لتأثير شيكوريل الثرى اليهودى والمؤيد للصهيونية بينما كانت الغالبية من شباب النادى ترفض الصهيونية. وقام اليساريون اليهود بتشكيل ما أسموه «الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية» (كانت الحكومة المصرية تصف كل يهودى بأنه إسرائيلى فى الوثائق الرسمية) وكان شعار البيان الأول للرابطة «ضد الصهيونية -فى صالح اليهود- فى صالح مصر) وقال البيان «إن سلام اليهود فى مصر لن يتحقق إلا بالتحالف مع القوى الديمقراطية التى بتحقيقها الحرية والرفاهية لجميع الشعب ستحقق بالضرورة الحرية والرفاهية لليهود». ويقول «إننا مصممون بكل قوتنا على مكافحة عملاء الصهيونية فى مصر الذين يخونون المصالح الحقيقية لليهود المصريين لخدمة مصالح تتعارض مع مصالح اليهود والشعب المصرى بأجمعه». وأصدرت بيانا «أيتها الأمهات. نريد أن نحمى أبناءكم من أكاذيب الصهيونية التى ترمى لإرسالهم ليعيشوا فى نظام كله استبداد. أيها اليهود تريد الصهيونية عزل اليهود عن جماهير الشعب المصرى. الصهيونية عدوة اليهود فلتسقط الصهيونية ولتحيا أخوة العرب واليهود». ومع توزيع البيان فى مكابى الظاهر نشبت معركة قام فيها بلطجية استأجرهم شيكوريل بضرب الشبان اليساريين الذين وزعوا البيان وتم الضرب تحت نظر الشرطة التى قالت لهم تعليماتنا الصريحة استمعوا فقط لتعليمات شيكوريل بك، ثم أكملت حكومة النقراشى تواطؤها مع كبار الصهاينة بأن أصدرت قرارا بحل الرابطة بحجة المحافظة على الأمن العام. وأصدرت الرابطة بيانا تدين فيه قرار الحل.
■ وهناك معلومتان الأولى تقول إن أوفاديا سالم المليونير الصهيونى قد دفع للنقراشى مبلغ نصف مليون جنيه ثمنا لفتح باب الهجرة لليهود، والثانية هى أن الغالبية العظمى من الذين هاجروا رفضوا السفر لإسرائيل بل أقام فى فرنسا 40.000 منهم وتوزع الباقون وهم الأقلية على بعض دول أوروبا وأمريكا لوجود صلات عائلية هناك.
■ أما شهادتى الشخصية وقد رأيتها بنفسى وكنت معتقلا صغير السن فى هايكستب حيث يوجد معسكر اعتقال يضم قسما خاصا بالصهيونيين وآخر للإخوان والشيوعيين وقسم به إدارة المعتقل وعدد محدود من المعتقلين ولصغر سنى كنت من المقيمين بهذا القسم ورأيت بنفسى شاهدا أوفاديا سالم يعامل كأحد الحكام يحضر له يوميا مدرب التنس الخاص ليلعب معه فى ملعب أعد خصيصا له. ويقضى يومه جالسا على مكتب قومندان المعتقل ليدير أعماله بتليفون القومندان الذى يجلس فى غرفة جانبية ثم يغادر معه فى سيارته الخاصة ليبيت فى بيته ويعود فى الصباح مع القومندان.
ولعل هذه الشهادة توضح حقيقة الموقف الحكومى فى ظل فترة حرب 1948. وكم كنت أتمنى لو استعان أصحاب مسلسل حارة اليهود بمن يعرفون بعضا من التاريخ ومن الوثائق التاريخية.