صلاح عيسى يكتب: أين اختفت مشروعات قوانين تحرير الصحافة والإعلام؟!
اختفت أنباء مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام التى ظلت تصريحات المسؤولين فى مجلس النواب تؤكد لأسابيع متصلة أنه مشروع قانون يتصدر الأجندة التشريعية لعمل المجلس الموقر فى الدورة الحالية، قبل أن يدرك شهرزاد الصباح فتسكت عن الكلام المباح وتتوقف عن بث التصريحات التى تؤكد أن مشروع القانون المذكور لايزال يتصدر الأجندة التشريعية فى هذه الدورة من عمل سيد قراره، لتحل محلها تسريبات صحفية تقول إن اللجان المختصة فى مجلس النواب- وهما لجنتا الشؤون الدستورية والتشريعية والثقافة والإعلام والسياحة- وجدت فى مشروع القانون عواراً دستورياً، اضطرها لأن تعيده إلى الحكومة مرة أخرى، لكى تتولى- بالتعاون مع المحكمة الدستورية العليا- التأكد من خلوه من أى خلل دستورى.
وكان مشروع قانون الصحافة والإعلام- كما يتذكر كل من يعنيهم الأمر- مشروعاً لقانون موحد، وضعت مسودته الأولى اللجنة الوطنية لإعداد تشريعات الصحافة والإعلام، التى تشكلت من 50 عضواً من المشتغلين والمتخصصين فى المهنة، وتفاوضت بشأن نصوصه، وتوافقت حولها مع لجنتين انبثقتا عن حكومتين متتاليتين هما حكومتا المهندسين إبراهيم محلب وشريف إسماعيل، وأحالت الحكومة الأخيرة نص القانون إلى مجلس النواب ثم إلى مجلس الدولة، الذى رأى تقسيمه إلى قانونين، صدر الأول منهما، وهو قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام، ليتضمن المواد الخاصة بتشكيل الكيانات الثلاثة التى أناط بها الدستور تنظيم وإدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية، وقرر مجلس النواب تأجيل القسم الثانى من القانون الموحد ليصدر فى قانون منفصل باسم قانون «تنظيم الصحافة والإعلام» حتى يتاح لأعضاء الكيانات الثلاثة إبداء الرأى فيه، كما ينص عليه الدستور.
ورغم أن من يعنيهم أمر القانون من الصحفيين والإعلاميين قد شعروا منذ البداية بأن هناك ملعوباً حكومياً يقف وراء الإصرار على تقسيم القانون الموحد إلى قانونين، وأن هناك جناحاً فى الحكومة ينظر إلى مشروع القانون الموحد باعتباره مشروعاً يبالغ فيما يمنحه للصحافة والإعلام من مساحات واسعة من الحرية، قد يسىء بعضهم استغلالها، خاصة فى ظروف بلد يخوض حرباً شرسة ضد عناصر إرهابية منظمة تحيط به من كل جانب.. إلا أنهم تقديراً لصعوبة الظروف التى تمر بها البلاد اقترحوا أن يضاف إلى القسم الأول من القانون الذى صدر بعنوان «قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام»، مادة تلتزم الحكومة بمقتضاها بأن تصدر القانون الثانى بمجرد صدور قرارات تشكيل الكيانات الثلاثة، وإبداء رأيها فى القانون طبقاً للدستور.
وحتى الآن لا يجد أحد ممن تعنيهم حرية الصحافة والإعلام، وهى إحدى الحريات العامة التى يكفلها الدستور لعموم المصريين، مبرراً لهذا الغموض الذى يحيط بمصير قانون تنظيم الصحافة والإعلام، فقد صدر قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام، وصدرت بالفعل القرارات الجمهورية التى تقضى بتشكيل الكيانات الثلاثة المختصة بإدارة مؤسسات الصحافة والإعلام، واجتمعت هذه الكيانات الثلاثة ودرست مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، ولم تجد فيه ما يدعوها للاعتراض على نصوصه سوى ملاحظات عابرة، ربما كان أبرزها هو المطالبة برفع سن المعاش للعاملين فى الصحف وأجهزة الإعلام القومية إلى سن الخامسة والستين وجوبياً، بدلاً من أن يكون اختيارياً لمجلس إدارة المؤسسة الصحفية أو الإعلامية القومية.
ولا أحد يعرف حتى الآن مدى صحة التسريبات الصحفية والإعلامية التى يدعى أصحابها أن اللجان المختصة فى مجلس النواب قد قررت إحالة نص قانون تنظيم الصحافة والإعلام إلى الحكومة لكى تعيد النظر فيه، وتبحث فى مدى دستوريته، إذ المؤكد أن المنوط به البت فى مدى دستورية القوانين قبل إصدارها، هو لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بالمجلس، وليس الحكومة.
وفضلاً عن هذا، فإن مجلس الدولة هو الذى يتولى نيابة عن الحكومة التثبت من مدى دستورية القوانين قبل إصدارها، وقد فعل ذلك بالفعل بالنسبة لهذا القانون.. والدليل على ذلك أن وجهة النظر التى استند إليها مجلس الدولة، لكى يطالب بتقسيم القانون الموحد إلى قسمين، قد استندت إلى أن تتولى الكيانات المؤسسية الثلاثة، التى يصدر بها قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام، إبداء الرأى فى قانون تنظيم الصحافة والإعلام.
أما الذى يدعو للعجب فهو أن هناك قانوناً ثالثاً من قوانين حرية الصحافة والإعلام قد ضاع فى زحام ملاعيب الحكومة الديمقراطية، هو مشروع قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر، وهو القانون الثانى الذى انتهت منه اللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية والإعلامية بعد القانون الموحد، تنفيذاً للنص الدستورى الذى يقضى بعدم جواز فرض عقوبات سالبة للحرية فى جرائم النشر، وقد اعترض مندوب وزارة العدل على النص الذى افترضته لجنة الخمسين وطلب مهلة لإعادة النظر فيه.. ومنذ ذلك الحين اختفى مشروع القانون.. ولم يعد له أثر، وهو ما يجعلنى أشعر أن هناك رائحة كريهة تأتى من الدنمارك.. ولا تسألنى أين تقع الدنمارك.. لأننى لا أعرف!.