الدكتور شوقي علام يكتب: فقه العمران ومبادرة حياة كريمة
تتلازم مسئولية العمران والإصلاح والحضارة مع مهمة استخلاف الإنسان في الأرض الواردة في قولِه تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]؛ فهي انعكاس لنشاط الإنسان وجهوده وأعماله.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يفيد معاني العمران؛ حيث قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، وهذا فيه إشارة إلى معالم العمران وشروطه الأساسية ومحركاته وما يقوم عليه؛ حيث الاهتمام بالإنسان، وبالمكان أيضًا، وما يرتبط به من شروط العيش والحياة الكريمة بكافة أبعادها: المعنوية؛ من الاستقرار والأمن وإقامة العدل، وغير ذلك. وكذا الأبعاد المادية؛ كالمباني والطرق والزراعة والصناعة.
وكل هذا لا بد أن يكون بالتوازن مع منظومة القيم ومكارم الأخلاق؛ وإلا لتحولت حركة العمران إلى كونها مجرد تحرُّكات مادية صرفة تستهدف مجرد تشييد الأبنية والمساكن، أو التوسع في أعمال البنية التحتية والتصنيع فقط؛ وقد جاء في دعاء الخليل إبراهيم عليْه السَّلام : ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: 37]، وهو دعاء جامع تضمن الأسس المادية والأخلاقية للعمران البشري برسالة حضارية متميزة.
إن من أصعب محاور فقه العمران وأطولها: بناء الإنسان وتغيير ما بنفسه، وتزكيته بالأخلاق الحميدة، خاصة في العصر الحاضر بمعطياته المتشابكة وواقعه المعقد؛ لأنه يتطلب بناء جيل جديد وتغيير أنماط الشخصية الإنسانية وعاداتها، وهي تمثل عقبة كبرى في مسيرة تقدم الأمة عبر التاريخ، وقد عالجتها القيادة المصرية الحكيمة عبر مسار منظم وخطة متكاملة، كان من آخرها مبادرة “حياة كريمة”.
وهي مبادرة وطنية متكاملة في مراحلها وفي ملامحها، وشاملة في مجالاتها؛ حيث راعت أبعاد فقه العمران ومعالمه، فهي تهدف إلى تعزيز قيمة الإنسان المصري والنهوض بمستواه الفكري والتعليمي، والصحي والرياضي والثقافي، خاصة كبار السن والأيتام والنساء المعيلات والمطلقات وذوي الهمم والقدرات الخاصة والأسر الأكثر احتياجًا في التجمعات الريفية، وذلك من خلال توفير سكن كريم وبنية تحتية وخدمات طبية، وخدمات تعليمية، مع الاهتمام بالبيئة واستهداف الأسرة والطفل والمرأة وذوي الهمم وكبار السن بالمبادرات التوعوية، وتوفير الدعم في الأشياء الأساسية، وتزويج اليتيمات وتجهيزهم، والنظر إلى الطفولة بعين الرعاية.
وهي سمات محورية في صياغة شخصية الإنسان المصري وبناء الدولة والمجتمع على أسس قوية ومعالم عمرانية وتنموية سامية تسير على منهاج النبوة؛ حيث اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الإنسان وإصلاح أحواله من الجهل إلى العلم، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الضعف إلى القوة، ومن البطالة إلى العمل وإتقانه؛ مجاراة لسنة الله وسيرًا على وفق مقتضى حكمته التي أرشد إليها قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].
كما تنعكس آثار هذه المبادرة الإيجابية بصورة عملية على الإنسان المصري وتجدد حياته، وتساعد على تكوين شخصية وطنية نافعة متحققة بسمات السماحة والسلام، ومبادئ السعادة والرحمة والأمن وحب الاستقرار والعمران والخير ومودة الآخرين وعدم الاعتداء عليهم، بالقول أو بالفعل، مع تقوية الصلة بين الفرد ووالديه وأقاربه وجيرانه بما يحافظ على وحدة النسيج المجتمعي والوطني.
إن هذه المبادرة مشروع ضخم يصح أن يطلق عليه “مشروع القرن الحادي والعشرين” و”أيقونة الجمهورية الجديدة”؛ لما تضمنته من مشروعات ومحاور وإجراءات متنوعة ومتكاملة، راعت فقه العمران وأساس كل إصلاح؛ حيث بناء الإنسان وفق قيم الاعتدال، واتزان الشخصية، وتحمل المسئولية، وطلب العلم وتحصيل أسباب القوة وإتقان العمل، والمحافظة على قيمه وأهدافه مما يقربه إلى سلوك طريق الحياة الكريمة المملوء بالتفاؤل والأمل ونفع البشرية وصلاح أمرها؛ تحقيقًا لقول الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].