لكل شعب طقوسه الخاصة .. المسلمون حول العالم يحتفلون بعيد الأضحى
يحرص قادة وملوك وزعماء العالم، على تهنئة الأمتين العربية والإسلامية، لمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، فيما يبدأ المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، إحتفالهم بالعيد في الساعات الأولى من الصباح بالتوجه إلى المساجد وساحات الصلاة، والتي يعقبها قيام بعضهم بشعيرة النحر، في حين يتوجه آخرون إلى المنتزهات والحدائق العامة لقضاء أول أيام العيد.
وفي كل دول العالم تقريبا يكون حضور الأطفال هو السمة الأبرز في احتفالات العيد، بعد حرص الأسر المسلمة على اصطحاب أطفالهم معهم لصلاة العيد، في الوقت الذي كست فيه البالونات المشهد الديني، وسط فرحة عارمة من المصلين.
وتبدو ساحات الصلاة في الكثير من دول العالم وهي تعج بالمصلين من كل مكان، على مختلف أعمارهم، وتشهد حرص الاسر بكاملها على الخروج لأداء صلاة العيد في الساحات، بحضور كبار السن والنساء.
وبعد الصلاة تنتشر مظاهر الذبح والنحر، بقوة في مشاهد العيد في الكثير من الدول الإسلامية وسط فرحة عارمة بهذه الشعيرة، والتي يحرص المسلمون عليها مع عيد الأضحى، ويقدمون منها للهدايا للجيران والأقارب ويتصدقون منها على الفقراء.
ويستقبل المسلمون الروس في كل عام عيد الأضحى المبارك، تحت أسم “قوربان بيرام”، والذي يعنى عيد التضحية، وكما جرت العادة في كل مناسبة من عيد الأضحى، يتم إقامة وتحضير الخدمات الخاصة بالاحتفال في جميع أنحاء مناطق روسيا الاتحادية التي تقطنها غالبية مسلمة.
أما عن مظاهر احتفالات بعيد الأضحى المبارك في روسيا، فيتجمع عشرات الآلاف من المسلمين لأداء صلاة العيد في المساجد والشوارع القريبة من المساجد في كل أنحاء روسيا، والذي يصل عددهم حاليا إلى نحو 8000 مسجد موزعة في مختلف أنحاء البلاد؛ بداية من العاصمة موسكو والتي يوجد بها حاليًا خمسة مساجد، مرورًا بالمدن القريبة منها مثل: مدينة نيجني نوفجورود، مدينة تفير، ومدن الطوق الذهبي: (كوستراما، ياروسلافل)، وصولًا إلى قازان عاصمة تتارستان، والقوقاز، حيث يعيش أغلبية المسلمين الروس.
ودائمًا ما يرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة تهنئة إلى الأمة الروسية المسلمة بروسيا، والذين يصل عددهم إلى 25 مليون مسلم تقريبًا، كما يهنئ رئيس مجلس الإفتاء الروسي والإدارة الروحية للمسلمين في روسيا المفتي الشيخ “راويل عين الدين” المسلمين بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، هذا ويبث التلفزيون الروسي شعائر صلاة العيد على القناة الرئيسية على الهواء مباشرة، كما تبث الصلاة عبر الإنترنت.
وتبدأ عطلة رسمية في الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة وهي: الشيشان، داغستان، كاباردينو- بلقار، إنجوشيا، أديجيا، تشركيسيا، تتارستان وباشكيرستان، القرم، وفي حين تستمرّ الحياة بصورة طبيعية في معظم الأقاليم الروسية.
ولا يقتصر احتفال المنظمات الإسلامية بعيد الأضحى على إقامة الفعاليات الدينية البحتة، وإنما تتعدى إلى نشاطات أخرى، فعلى سبيل المثال، تنظم الإدارة الروحية لمسلمي جمهورية تتارستان مهرجانًا عائليًا يطلق عليه اسم “مهرجان قوربان”، وهو مهرجان مفتوح لجميع المواطنين بغض النظر عن العقيدة والجنسية التي ينتمون إليها.
وفي المدينتين الكبيرتين، موسكو وسان بطرسبرج، تنظّم طقوس تقديم الأضحية في مواقع مخصصة لهذا الغرض، ويمنع الذبح أمام البيوت أو في الشوارع في موسكو؛ لذلك تخصص السلطات المحلية مواقع لذبح الخراف بمزارع ومصانع للحوم في موسكو وضواحيها، وبعد أن يفرغ المسلمون من التضحية، يقومون بتوزيع لحم الأضاحي على الناس المحتاجين.
وعادة بعد الانتهاء صلاة العيد تجتمع العائلات المسلمة في روسيا عند الجد أو عند العم الأكبر؛ لتبادل التهاني بحلول العيد، وتبادل الهدايا، ويحرص المسلمون الروس على جعل هذا اليوم مميزًا خاصة عند الأطفال، حيث يتم إعطاؤهم مبلغًا ماليًا في هذه المناسبة “العيدية” ويتم إرسالهم إلى مدن الألعاب، وعادة ما يتم شراء ملابس جديدة لهم.
وكذلك تشارك الجاليات العربية المقيمة في المدن الروسية المختلفة بعضًا من تلك الفعاليات ودائمًا ما يحرصوا على الحضور مع أطفالهم فهو فرصة للاحتفال وللحديث باللغة العربية ولربط الأجيال الجديدة بأوطانهم العربية.
ومع اقتراب عيد الأضحى يتوافد الأتراك على الأسواق التي تقيمها البلديات في أنحاء تركيا، ليحاول كل منهم العثور على أضحية جيدة.
ويقوم الأتراك عادةً بطقوس وتقاليد متوارثة خاصة بالأضحية جيلاً بعد جيل، فالبعض يخضّب الأضحية بالحناء يوم عرفة، وآخرون يغسلون الأضحية ومن ثم تزيّن بالألوان وأطواق الخرز وغير ذلك.
ويسمى عيد الأضحى في تركيا باسم “قربان بيرمو”، ومع اقتراب عيد الأضحى يذهب المسلمون في تركيا إلى “سوق قربان بازاري” لشراء أضحية تناسب الحالة المادية والاجتماعية لكل شخص، فمنهم من يشتري خروفا ومنهم من يشتري بقرة ومنهم من يشتري جملا. وتمنح السلطات التركية عطلة لمدة أربعة أيام لموظفي القطاع العام.
وفي الصين يمارس المسلمون لعبة “خطف الخروف”، حيث ينطلق احد أفراد العائلة فوق فرسه مسرعًا، ويقوم بخطف الخروف، بعدها يفعل الأمر ذاته ثان وثالث وآخر، لتنتهي اللعبة بإعلان فوز من استغرق أقل وقت في عملية اختطاف خروف العيد من على الأرض.
وبعد الفوز بالخروف يجتمع ذكور الأسرة حوله، ويقرأون أدعية وآيات قرآنية لمدة تصل خمس دقائق، بعدها يقوم كبير الأسرة أو إمام المسجد بذبح الخروف، وتقسيمه.
ويقوم الباكستانيون بتزيين الأضحية قبل العيد بنحو شهر كامل بوضع الألوان فوق رأسها، بينما يقوم الآخرون بربطها بحبال ملونة مع إلباسها قلائد جميلة إضافة إلى بعض المصنوعات الصوفية الملونة والأجراس.
ومن أهم الأكلات التي يتناولونها في العيد (لحم النحر)، وهو الطبق الرئيسي في وجبة الغداء على مدار أيام العيد ولا يتناولون الحلوى في عيد الأضحى.
وفي إندونيسيا، لا يتم ذبح الأضاحي أمام المنازل أو بالطرقات، بل تجمع أضاحي المنطقة الواحدة جميعًا ويتم ذبحها في ساحة المسجد أو في الساحات الأمامية أو الخلفية وسط جو من الاحتفالات الجماعية.
وفي جاكرتا، تجمع المسلمون في ساحات الصلاة وبمسجد الاستقلال في العاصمة الإندونيسية، ليشهدوا صلاة العيد، واجتمع الأسر لمتابعة عملية نحر الأضاحي، في منطقة ماترمان في جاكرتا. ويطلقون في إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة على العيد مسمى “مارى رايا حجى”.
ويشكل مسلمي الهند نسبة 14.2% من الهنود، وقبل أيام من العيد يمكنك القيام بزيارة سوق الماعز عند المسجد الجامع حيث يقدم الناس على شراء الأضحية احياءًا لذكرى تضحية كبيرة من النبي إبراهيم عليه السلام طاعًة لله تعالى.
ويجتمع المسلمون للقيام بصلاة العيد في المسجد مبكرًا في الصباح، ثم يقومون بذبح الأضحية وسط جمع من الأهل والأقارب، ويقوم المسلمون بتقسيم الأضحية إلى 3 أجزاء، جزء للأسرة وآخر للأقارب والجيران والأصدقاء، والثالث للفقراء والمحتاجين.
وأغرب ما يعاني منه المسلمون في الهند هو عدم منح العديد من المؤسسات والشركات إجازة لعمالها المسلمين باعتبار العيد ليس من العطل الرسمية في البلد.
وذبح البقر محظور في الهند بإعتباره حيوان مقدس عند الهندوس، فدفع ذلك جمعيات إسلامية في الهند اللجوء إلى المحكمة العليا في البلاد للمطالبة برفع حظر ذبح الأبقار.
وحتى وقتنا هذا، يوصي كبار مسلمي الهند بعدم ذبح الأبقار كأضحية، حتى يتجنبوا ويلات النعرات الطائفية في وجود الهندوس، والتي أدت في الماضي إلى مقتل المئات من الطرفين.
و في الهند وبنغلاديش يطلق على عيد الأضحى “بكر عيد” أو “قرباني عيد” نظرا لما يقدم فيه من القرابين، ولا تختلف مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى عن الاحتفالات عيد الفطر، ولكن الحفلات العامة والاجتماعية تقام فيه عادة في المساء، لأن المسلمين ينشغلون في الصباح الباكر بأداء صلاة العيد وشعائر تقديم القرابين، ويستمر ذبح القرابين لمدة ثلاثة أيام بعد يوم العيد، أي العاشر من شهر ذي الحجة وتعرف تلك الأيام الثلاثة باسم “أيام التشريق”.
وفي أمريكا، يجتمع أفراد العائلة المُفرقون في الولايات المختلفة بمنزل كبير العائلة، ويجتمع الأصدقاء والمعارف من كل مكان ويذهبون للصلاة معاً في المراكز أو المساجد الإسلامية هناك، ثم يتفقون على ذبح الأضحية والقيام بحفلات شواء لتجتمع الأسرة في جو دافئ مليء بالمرح يتناولون فيه الطعام على مائدة واحدة.
وفي أوروبا تفرض القوانين الفرنسية أن يكون الذبح والسلخ عبر المجازر فقط، ما يجعل المسلمين يتجهون لشراء الأضحية مذبوحة بالفعل، وهذا أيضًا يعد مخالف لشروط الأضحية، والذبح خارج المجازر يعاقب عليه القانون بغرامات مالية قد تصل إلى 15 ألف يورو والسجن لـ 6 أشهر.
ومن أبرز طقوس العيد في فرنسا هي تزيين المساجد والمنازل وإضفاء جو من الروحانيات في البيوت.
ويجتمع الآباء بأطفالهم ليقصوا عليهم قصة النبي إبراهيم وذبحه لابنه إسماعيل، وكيف أن الله افتداه بالكبش كما جاء في القرآن الكريم.
وتنتعش في بعض المناطق الريفية عمليات بيع الأضاحي التي تشهد إقبالاً كبيراً من المسلمين هناك.
أما في ألمانيا، فمع الأسف تختفي احتفالات العيد فيها. فعلى الرغم من أنه يعيش في ألمانيا ثاني أكبر جالية إسلامية في أوروبا إلا أن الحكومة الألمانية لا تمنح إجازة لعيد الأضحى، وتدفعهم للعمل في هذا اليوم.
ومن ناحية أخرى، هناك ضغوطات شديدة حول الأضحية ، فتشترط السلطات الألمانية على المسلمين تخدير الأضاحي قبل ذبحها.
أما بالنسبة للمسلمين المقيمين في باقي دول أوربا فالاحتفال بعيد الضحى يتم خارج الإطار التنظيمي للعطل التي تمنحها الدولة ويجيزها قانون العمل، نظرا للطابع العلماني لمعظم الدول الأوربية. وبالتالي يتعين على العامل أو الموظف المسلم طلب يوم إجازة لقضاء يوم العيد إلى جانب عائلته.
وتختلف تسميات عيد الأضحى من مجتمع مسلم إلى آخر، وتعكس بعدا دينيا أو اجتماعيا لهذه المناسبة، ففي نيجيريا يسمى “العيد الكبير” نسبة لمدة الاحتفال به وللحركة التجارية التي يشهدها مقارنة مع عيد الفطر، كما أنه مخصص بشكل كبير للكبار دون الصغار.
و في إيران يطلق على عيد الأضحى اسم “عيد القربان” في إشارة إلى مقاصده العليا المتمثلة في الامتثال لأمر الله والتقرب إليه.
و في السينغال وغامبيا وأجزاء من مالي يطلق عليه اسم “تاباسكي”، ويتضح أن لهذه الكلمة جذور متوسطية ومغاربية وأمازيجية ومسيحية ويهودية. فكلمة “تاباسكي” مأخوذة من كلمة “تافاسكي” أو “تافسكا” الأمازيجية وجمعها “تافاسكيوين”، وهي كلمة تستخدم في اللغة الأمازيجية للتعبير عن الأعياد الدينية وخاصة عيد الأضحى ومنهم من يستعملها للتعبير عن أضحية العيد.
وفي الفليبين يسمى “عيد التشريع”، ويحرص المسلمون في الفليبين على أداء صلاة العيد قبل النحر، الذي يشترك فيه الجميع في أجواء من الفرح والبهجة.
ويرتبط العيد في هذه الدول بالحج ومناسكه ووقفة عرفات.