الدكتور رفعت السعيد يكتب: وكأنه بيت أبيهم!
فى ظل هذا الارتباك المدوى، الذى نجحت الدوائر التى اتفق على تسميتها «مجلس إدارة العالم» (أمريكا، ألمانيا، فرنسا، إنجلترا.. والناتو… إلخ) فى خلقه ثم تسحبت منه بعد أن تحول مَن صنعتهم بأيديها فى أماكن عدة (سوريا، العراق، أفغانستان.. إلخ) إلى أفاعٍ وذئاب.
بدأت تتسرب دراسات وأوراق بحث ومقترحات أمريكية بالأساس تتحدث عن مصير منطقة الشرق الأوسط وتمسك بسكين مقترحات وكأنها تحاول توزيع قطعة تورتة.. تعطى وتمنح وتمنع وتعيد التوزيع والتقسيم وكأنه بيت أبيهم..
وتتسابق روسيا مع الجميع فتسبق بحجز قطعة سميكة من التورتة (قاعدة طيران فى حميحم بسوريا ومعها قاعدة بحرية فى طرطوس)، وأعلنت اتفاقها بحيث تقف القوات الرسمية السورية خارجاً فقط، أما داخل القاعدتين فلأصحاب القاعدتين تماماً وهم طبعاً الروس والمدة المتفق عليها 49 عاماً تتجدد تلقائياً لخمسة وعشرين عاماً وتتكرر ما لم يقرر أحد الطرفين إيقافها، وثمة حصانة للجنود الروس وعائلاتهم ومعداتهم.
وقد جاء هذا علناً وفى مواجهة الجميع. وأعلن رسمياً على لسان شامانوف رئيس لجنة الدفاع فى مجلس الدوما: «إن هذا الوجود قد شكل أساساً لضمان الاستقرار فى الشرق الأوسط».
أما الأمريكيون فدراساتهم جاهزة. وتنشر مجلة «القوات المسلحة الأمريكية» تقريراً بالغ الخطورة أعده مخابراتى سابق هو الكولونيل المتقاعد رالف بيترز، الذى خدم طويلاً فى الاستخبارات العسكرية. وفى هذه الدراسة التى لا بد أنها سُربت عن عمد قدم رالف بيترز تصوره لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بحدود جديدة تماماً والمبررات جاهزة:
1- الحدود الحالية هى مجرد خطوط رسمتها إنجلترا وفرنسا بالاتفاق معاً وبشكل عشوائى فى القرن 19 وهى بالقطع ليست عادلة.
2- إن الخطوط التى رُسمت تعسفياً بواسطة الاستعمار سواء فى أفريقيا أو الشرق الأوسط كانت ولم تزل وستظل مصدراً لنزاعات وحروب جلبت دماراً ونزاعات مذهبية وقومية وإثنيه وقبائلية.
3- من الصحيح أن بعض المناطق شهدت تفاهمات وتداخلات بين أعراق وإثنيات وديانات مختلفة لكننا فى غالب الأحيان نجد أن التداخلات بالقرابة والمصاهرة وتعايش الديانات والإثنيات معاً لم تحقق نجاحاً ولا توحداً كالذى يحدث داخل المجموعة الواحدة.
ولذلك كله فإن دراسة رالف بيترز تقوم على أساس تغيير خطوط ورسم خريطة جديدة للمنطقة. خاصة أن الحدود الحالية لعديد من الدول ليست ثابتة ولا مقبولة ففى عديد من البلدان الحالية نجد أن الحدود امتداداً من الكونغو إلى القوقاز مروراً بكوسوفو لم تزل رغم مرور عقود وقرون مصدر قلق، ومع ذلك يرى كثيرون أنه لا مبرر لتغييرها وبرغم بعض القلاقل فإنها يمكن أن تستمر لأنها لا تسبب قلاقل مثيرة.
4- لكن تقرير رالف بيترز يقول فى إصرار مثير للريبة إن الحدود الحالية لدول الشرق الأوسط «تسبب ارتباكاً وظيفياً» داخل كل دولة على حدة ثم بين الدول وبعضها البعض سواء من خلال الممارسات غير المقبولة ضد الأقليات، أو بسبب تصاعد موجات التطرف الدينى أو القومى أو المذهبى. بما يستدعى سرعة التدخل لإنهاء هذا الوضع على الأقل لتحقيق أهداف إنسانية تتعلق بالعدالة والديمقراطية والتوازن الإقليمى.
فمثلاً لا بد من سرعة إنهاء الظلم الذى تعانى منه الأقليات فى الشرق الأوسط عبر تعديل خطوط الحدود ومنها مثلاً معاناة الأكراد، والشيعة العرب وإن كانت التعديلات والتوزيعات المقترحة لن تحل مشاكل المسيحيين والبهائيين والإسماعيليين والنقشبنديين وأقليات أخرى أصغر عدداً.
ويزعم أن مثل هذه التغييرات المطلوبة سوف تحقق مزيداً من القدرة الأمريكية لمواجهة الإرهاب كما تمكن من استعادة تدفق النفط بشكل تام بما يحل مشكلات الغرب وسوف يؤدى ذلك إلى استقرار واتساع نطاق الديمقراطية أيضاً.
وبعد هذه البانوراما، أمريكية الصنع، وأمريكية الهوى، يقول التقرير إن الأمر يتطلب تنظيم حملة إعلامية تؤكد أن ذلك سيكون فى مصلحة الجميع وفى مصلحة الاستقرار والسلام.
ولكنه يحذر من أن الأمر ليس سهلاً ولا يمكن تحقيقه سريعاً، ذلك أن إعادة تصحيح الحدود تتطلب توافق إرادات حكومية وشعبوية لإيجاد شرق أوسط جديد حقاً.
ثم تأتى بعد ذلك نصيحة شديدة الخطورة بل شديدة الإجرام، تقول: «ونظراً لضيق الوقت فإنه لا بد من سفك بعض الدماء للوصول إلى تحقيق هذا الهدف واستغلال جريان الدماء للإسراع بتحقيق هذه المصلحة».
ويمضى التقرير ليشير إلى أن دولاً جديدة يجب أن تنشأ وأن تفقد دول قائمة مساحات كبيرة من أراضيها. ثم يركز التقرير على أهمية قيام دولة مستقلة لتضم ما بين 27 و36 مليوناً من الأكراد يعيشون فى مناطق متجاورة وهم أكبر قومية فى العالم لا تعيش تحت سقف دولة موحدة ومستقلة، وسوف تستخدم فرصة الانتصار بالعراق لتقسيمه إلى أكراد وسنة وشيعة.
ثم يؤكد: «وقد يتم تسهيل الأمر عبر بعض التبادلات. فاذا أخذنا إيران كنموذج فإنها وفق الخريطة المطلوبة ستفقد بعض أراض للأكراد والشيعة العرب والبلوش وجزءاً صغيراً يُضم لأذربيجان لكنها ستحصل على مساحة لا بأس بها من أفغانستان لتستطيع تكوين دولة قومية فارسية خالصة.
أما الجزء الذى سيقتطع من أفغانستان فسوف تحصل بمقابله على مساحة كبيرة من باكستان حيث العديد من قبائل أفغانية. وجزء آخر سوف يقتطع من باكستان لإقامة دولة بلوشستان وبذلك لن يبقى لباكستان سوى ثلث مساحتها.
أما بالنسبة لإسرائيل فإن التقرير يرى أنه لكى تضمن لنفسها الحياة فسوف يكون عليها الانسحاب من أراضٍ واسعة ولكن الإدارة الأمريكية بإمكانها طمأنتها ومنحها نفوذاً بديلاً عن الأراضى، مع العلم بأن استمرار الصراعات فى الدول المحيطة بإسرائيل سوف يدفع إلى تفتيتها ومن ثم تضعف للغاية وتصبح خاضعة بشكل أو بآخر لإسرائيل التى تستطيع أن تحوز نفوذاً مستقراً يعوضها عن الأراضى، وهى قادرة تماماً على ذلك كما فعلت وتفعل الآن فى جنوب السودان».
ويبقى سؤال عن مصر. وأنا أعتقد أن مصر لا يمكن أن تنقسم لا جغرافياً ولا معتقدياً ولا إثنياً فالمكونات والجغرافيا والتداخل المتشابك يمنع..
ولهذا يكون التركيز على التفتيت والانهيار من الداخل عبر صراعات عبثية وإرهاب إخوانى وخيانات ممن يتحالفون مع الإخوان لصالح الغرب..
فـ«الإخوان» الإرهابية وحلفاؤها أصبحوا الآن ضرورة للغرب وأمريكا..
فحذارِ من الخونة المحليين.