منعوها من الحج فغنت «يا رايحين للنبى الغالى».. حكايات في حياة ليلى مراد
ليلى مراد.. واحدة من الشخصيات والرموز المصرية التي كانت وما زالت مؤثرة، ولها صيت كبير، سواء على المستوى المحلى أو العربى والعالمى، أثرت وتؤثر فينا، فمصر تزخر بالعديد من تلك الشخصيات فى مجالات كثيرة ومتنوعة سواء فنية أو علمية أو دينية أو اقتصادية أو سياسية وغيرها الكثير والكثير.
وتحرص «اليوم السابع» على إعادة حكايات تلك الرموز وتاريخها المُضىء، وفى إطار حرص الدولة وتوجُهها بإحياء الهوية المصرية ورموزها، حفاظا على تاريخنا العريق وللاستفادة من تلك القصص المُلهمة، وتقديم القدوة الحسنة للشباب والأجيال القادمة، وذلك من خلال تناول بروفايل لأبرز الشخصيات المُتميزة فى مصر.
هى النجمة المتفردة التى لا ينافسها أحد، القيثارة التى عشقها الملايين، صاحبة الصوت الملائكى والطلة الفخمة التى تبهرك بجمالها الهادئ ومظهرها الراقى وصوتها العذب وفنها الذى ينقلك إلى عالم السحر والحواديت، هى ليلى بنت الفقراء وبنت الأغنياء وبنت الأكابر، وهى أيقونة من أيقونات الطرب والفن المصرى والعربى، والوحيدة التى صنعت لها أفلام تحمل اسمها، كما أنها كانت أغلى النجمات أجرا وأكثرهن نجاحا وجماهيرية.
ليلى مراد .. قيثارة الفن
ليلى مراد هذا الاسم الماسى الذى يحمل وهجا وفخامة وحضورا والذى أثر فى حياة عدد من النجوم الذين عشقوا الفن لأنهم عشقوها، وذكر كل منهم هذا التأثير كلما تحدث عن بداياته، أحبت شويكار الفن والتمثيل لأنها أحبت ليلى مراد، وعشق محمد رشدى الطرب لأنه عشقها، فكان يسير فى قريته وهو يغنى أغانيها ويتخيلها أمامه، ويدخل السينما مرات متعددة ليسمعها ويراها، وهى التى قال عنها الفنان الكبير سمير صبرى إنه منذ صباه كان يتمنى أن يكون مثل أنور وجدى لأنه كان يقبلها فى الأفلام.
بدايات القيثارة ليلى مراد
ولدت ليلى مراد فى 17 فبراير عام 1918 وهى ابنة الملحن والموسيقى الكبير زكى مراد الذى تتلمذ على يديه عدد من أقطاب الغناء والموسيقى، بدأت ليلى حياتها فى مدرسة «نوتردام دى زابوتر» المدرسة التى كان يلتحق بها أبناء الطبقات العليا، حيث حاول والدها أن يعيش أهل بيته فى رغد، ولكن تبدل الحال وسافر الأب، وتراكم الإيجار على الأسرة التى باعت أغلب أثاث المنزل، فالتحقت ليلى بمدرسة التطريز القريبة من المنزل، والتى كانت تعطى للفتاة التى تجتاز فترة التدريب أجرا قدره سبعة قروش فى اليوم، وكانت ليلى تساعد أسرتها بهذا المبلغ، بحسب ما جاء فى كتاب « ليلى مراد» للكاتب الكبير صالح مرسى.
وفى مذكراتها التى نشرتها بمجلة الكواكب فى الخمسينيات تحدثت القيثارة ليلى مراد عن أول مرة وقفت فيها على المسرح أمام الجمهور، وقالت القيثارة إنها عندما كانت طفلة لا يتجاوز عمرها 12 عامًا لمس والدها الموسيقار زكى مراد ما حباها الله به من موهبة، ودربها على الغناء والموسيقى فتلقت العديد من الدروس على يد الفنان داود حسنى، وتلقت دروسا فى العزف على العود مع الفنان محمد سبيع فى تخت والدها حتى تمكنت تماما من الغناء، وعندما وجد والدها أنها أتقنت كل هذه التدريبات قرر تقديمها فى حفلة بمسرح رمسيس عام 1930، وتولى متعهد حفلات تنظيم الدعاية للحفلة حتى يتوافد الجمهور لسماع هذه المطربة الجديدة.
وأشارت الفنانة الكبيرة إلى أنهم ألبسوها حذاء عاليا وجوربا طويلا له رباط من الأستك، حتى تبدو أكبر من سنها فلا يقول الناس أنهم دفعوا أموالهم لسماع طفلة.
وأضافت القيثارة أنها صعدت على المسرح وبدأت الغناء واستقبلها الجمهور استقبالا طيبا، وهو ما زاد من ثقتها فى نفسها، ولكن فى الوصلة الثانية وبينما هى مندمجة فى الغناء انقطع رباط الجورب، وبشكل تلقائى وطفولى رفعت الطفلة ليلى مراد فستانها وانحنت لتربط الجورب أمام الجمهور الذى ضج بالضحك من تصرف الطفلة، ولكنه صفق لها ليشجعها على الاستمرار فى الغناء.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل شعرت ليلى مراد بالنوم يغالب عينيها مع بداية الوصلة الثالثة للغناء، وما كادت الفرقة الموسيقية تنتهى من عزف المقدمة حتى وجدت نفسها عاجزة عن مغالبة النوم، وعندئد سقطت من فوق المقعد على الأرض، وضج الجمهور بالتصفيق واستيقظت ليلى مراد وهى تسمع أفراد الجمهور يقولون كفاية عليها كدة دى كويسة أوى وصوتها جميل، وكانت هذه الشهادة الأولى التى حصلت عليها ليلى مراد من الجمهور ومن بعدها بدأ متعهدو الحفلات يتعاقدون معها.
وفى بدايات الثلاثينيات من القرن الماضى غنت ليلى مراد فى بعض أفلام بهيجة حافظ ومنها فيلما الضحايا وليلى فى الصحراء من ألحان الموسيقار محمد القصبجى وذاع صيتها وغنت بالإذاعة بعد افتتاحها، حيث كانت من أوائل المطربات اللاتى تم اعتمادهن بالإذاعة.
وفى عام 1937 اختارها الموسيقار محمد عبد الوهاب والمخرج محمد كريم للمشاركة فى فيلم «يحيا الحب»، وجذبت أنظار عميد المسرح العربى يوسف وهبى فاختارها لتشارك فى فيلمها الثانى (ليلة ممطرة) نهاية عام 1939.
أنور وفاروق والثورة
ارتبط اسم ليلى مراد باسم أنور وجدى بعد أول فيلم جمعهما وهو فيلم ليلى بنت الفقراء عام 1941، وبعده جمعهما ما يقرب من 11 فيلما، حيث نشأت بينهما قصة حب وتزوجا عام 1945 ليكونا أحد أشهر الثنائيات الفنية، ويتشاركا فى عدد من أهم أفلام السينما وأنجحها ومنها، ليلى بنت الفقراء، ليلى بنت الأغنياء، قلبى دليلى، عنبر، الهوى والشباب، ليلى بنت الاكابر، غزل البنات، حبيب الروح.
حاولت ليلى مراد طوال حياتها الابتعاد عن أى لغط سياسى ولكن رغما عنها وضعتها الظروف المحيطة فى مرمى هذا اللغط، فرغما عنها جمعتها بعض المواقف بالملك فاروق، حتى أنها كادت تقتله فى إحدى الليالى.
وهى الواقعة التى تحدث عنها الكاتب الراحل محمد بديع سربية صاحب مجلة الموعد فى أحد أعداد المجلة الصادرة عام 1978، خلال سلسلة حلقات كتبها تحت عنوان «والذّكريات صدى السّنين»، وتناول فيها بعضا من مذكراته وذكرياته مع فنانى الزمن الجميل ومنهم الفنانة الكبيرة ليلى مراد.
وقال سربية إنه خلال الفترة التى كانت فيها ليلى مراد مشغولة بتصوير فيلمها ليلى بنت الفقراء، قررت السفر للإسكندرية بعد أن عرفت أن والدها ارتبط بقصة حب مع راقصة صغيرة السن يغدق عليها بالأموال، فأرادت أن تضع حدا لهذا الموضوع.
وتابع سربية: عندما وصلت ليلى مراد إلى الإسكندرية نزلت فى فندق سيسيل الذى كان وقتها من أضخم الفنادق وملتقى للشخصيات المصرية الكبيرة، وكان الطابق الأرضى فى الفندق قد تحول إلى بار وناد للقمار محصن ضد القنابل، وكان الملك فاروق من المترددين على هذا النادى، وعرف من أحد أفراد حاشيته أن المطربة ليلى مراد نزلت فى أحد أجنحة الفندق، وخلال هذا الوقت دوت صفارات الإنذار وساد الظلام أنحاء الفندق.
وأكد سربية أن فاروق بدلا من أن يتجه إلى المخبأ كما فعل الجميع تسلل وحده إلى الجناح الذى تنزل فيه ليلى مراد والتى بقيت هى الأخرى فى جناحها ولم تنزل إلى المخبأ.
وتابع الكاتب الصحفى الكبير قائلا: «شعرت ليلى مراد بالباب يفتح، فأمسكت بقطعة من الحديد كانت على مقربة منها، وهمت بأن تهوى بها على رأس الشبح الذى لمحته يدخل غرفتها لكن انطلقت صفارات الإنذار فى هذه اللحظة معلنة انتهاء الغارة الجوية، وأضيئت الأنوار لتجد ليلى مراد نفسها أمام ملك مصر، وتكتشف أنها كادت أن تقتله بقطعة الحديد، وقالت وهى تشعر بالصدمة «جلالة الملك؟! بتعمل إيه هنا».
وأضاف سربية أن فاورق كان وقتها شابا ويساوره بعض الحياء فاعتذر لها متعللا بأنه أخطأ الطريق إلى المخبأ ودخل غرفتها دون قصد وسلم عليها قائلا: «سعيد برؤيتك وسوف أكون أكثر سعادة عندما أزورك فى القاهرة، وسألها عن الأستوديو الذى تصور فيه فيلهما وكانت وقتها تمثل فى أستوديو الأهرام».
وأكد صاحب مجلة الموعد أن ليلى مراد غادرت الفندق فور انصراف الملك فاروق من غرفتها وعادت إلى القاهرة.
وأثناء وجود ليلى مراد فى الاستديو أبلغها رسول من الملك أنها مطلوبة للغناء فى حفلة بقصر رأس التين فى الاسكندرية، فلم تستطع ليلى مراد رفض هذا الأمر.
وأشار سربية إلى أن ليلى مراد سافرت للإسكندرية وغنت فى الحفل الذى حضره الأمراء والأميرات وبعد انتهائها من الغناء دعاها الملك للجلوس وسألها: هل صحيح أن أنور وجدى يلاحقك بغرامياته؟، فخافت ليلى مراد من غيرة فاروق ومن أن تصارحه بأنها مخطوبة لأنور وجدى فيبطش به، فردت قائلة: «مين قال كدة ياجلالة الملك ده أنور إنسان طيب ومؤدب».
ويبدو أن الملك لم يقتنع بهذه الإجابة كما أشار الكاتب الراحل محمد بديع سربية فقال لليلى مراد: أنا عارف إنك بنت حلال ومش عاوزة تعترفى بالحقيقة، إنما يكون فى علم الممثل اللى اسمه أنور وجدى أنى سوف أرسل فورا من يغتاله إذا عرفت أنه يضايقك؟.
وبخوف شديد ردت ليلى مراد: أبدا يامولانا مفيش بينى وبينه غير علاقة زمالة بريئة».
ثم عادت ليلى مراد بعد انتهاء الحفل للقاهرة وحذرت أنور وجدى من تهديد الملك، فتظاهر بالشجاعة وعدم الخوف لكنه فى الحقيقة خشى على حياته من غضب الملك وأحاط نفسه بمجموعة من الحراس.
ومع آخر مشهد من مشاهد تصوير الفيلم قرر أنور وجدى أن يستغل هذا المشهد الذى يتزوج فيه بطلا الرواية ويرتديان ملابس الزفاف وأن يحوله إلى مشهد حقيقى يستغل فيه الديكور ويروج للفيلم، فدعا المصورين والصحفيين وأعلن مع نهاية المشهد أنه مشهد حقيقى وأنه تزوج ليلى مراد، ونشرت الصحف هذا الخبر فى صفحاتها الأولى وكانت أكبر حملة دعاية للفيلم الذى حقق نجاحا منقطع النظير، وبعدها نسى الملك فاروق قصة إعجابه بليلى مراد.
لذلك كانت فرحة ليلى مراد بثورة يوليو فرحة كبيرة، ورغم ذلك حاول بعض المغرضين التشكيك فى وطنيتها وروجوا عنها بعض الشائعات التى تزعم تأييدها ودعمها لإسرائيل، فى حين أنها كانت من أكثر الفنانين وطنية وإخلاصا لمصر.
وفى عدد نادر من مجلة الكواكب صدر فى الذكرى السادسة لقيام ثورة يوليو عام 1958 نشرت الفنانة الكبيرة ليلى مراد مقالا يوضح موقفها من الثورة تحت عنوان: «كنت فى باريس يوم 23 يوليو»، تحدثت خلالها عن مشاعرها حين سمعت بقيام ثورة يوليو، وعن رأيها فى الملك فاروق وموقفها من الثورة.
وقالت القيثارة ليلى مراد: «كنت فى غرفتى بالفندق ولم أكد أستمع إلى خبر الثورة حتى قفزت فى دهشة وتعجب وطرت فرحاً».
وأكدت ليلى مراد أن الذين يسافرون خارج البلاد كانوا أدرى الناس بقيمة ثورة يوليو، مشيرة إلى أن الكثيرين كانوا يضطرون لإخفاء جنسيتهم المصرية لأن كل الصحف الأجنبية كانت تتناول موضوعات عن فساد الملك وفضائحه، قائلة: «كان الأجانب يعيروننا بأننا نقبل بأن يحكمنا هذا الرجل، ويتهموننا بالجهل وأننا ما زلنا نعيش فى زمن سلاطين ألف ليلة».
واستكملت قائلة: «فى الساعة السابعة من مساء 26 يوليو نقلت محطة الإذاعة فى باريس نبأ تنازل فاروق عن العرش وطرده من الأراضى المصرية، ولأول مرة وأنا فى باريس أشعر بالفخر بمصريتى بعد أن تم طرد من كان سببا فى تلويث سمعة مصر وأهلها».
وأشارت ليلى مراد إلى أنها نزلت من الفندق وأخذت تسير فى شوارع باريس وتجوب ملاهيها وتشعر بالفخر وهى تسمع كلمات الإطراء والإعجاب بما قام به أبناء الجيش المصرى الذين قاموا بهذا العمل الضخم والوطنى البطولى.
إسلام ليلى..
وكانت الفنانة الكبيرة ليلى مراد من أكثرالفنانين الذين تمتعوا بمحبة وشعبية كبيرة سواء قبل أو بعد إشهار إسلامها، حيث كانت تنتمى لعائلة يهودية وأسلمت بعد زواجها من أنور وجدى بعام واحد، وكان ذلك عام 1946 عندما استيقظت على صوت أذان الفجر وشعرت بحلاوته وأيقظت زوجها أنور وجدى وقتها لتخبره بأنه تريد إشهار إسلامها.
لم تكن ليلى مراد وقتها تحتاج لشهرة أو تريد أن تتزوج من مسلم حيث كانت متزوجة بالفعل من أنور وجدى ولم يكن يلق اهتماما بفكرة كونها يهودية أو مسلمة، وأرادت الإسلام عن اقتناع وبكامل حريتها ورغبتها واختيارها، وأشهرت إسلامها على يد الشيخ محمود أبو العيون وكيل مشيخة الأزهر الذى زارها فى منزلها أكثر من مرة، أولها عام 1946 وقت إشهار إسلامها حيث نطقت بالشهادة وعلمها بعض تعاليم الإسلام، وتردد على منزلها أكثر من مرة لنفس الغرض.
وفى عام 1953 أرادت ليلى مراد الذهاب لأداء فريضة الحج، وكان وقتها يتم تصوير أحداث فيلم «ليلى بنت الأكابر»، فأخبرتها إدارة استوديو مصر أنه يجب الانتهاء من تصوير الفيلم خلال أسبوعين، وأن سفرها لأداء الحج خلال هذه الفترة سيعطل التصوير ويتسبب فى العديد من الخسائر، فرضخت ليلى مراد ولم تسافر، ولكنها طلبت من أبوالسعود الإبيارى تأليف أغنية تودع فيها المسافرين للحج، كما طلبت من الموسيقار الكبير رياض السنباطى تلحين الأغنية، لتعبر من خلالها عن شوقها للحج، وبالفعل غنت خلال أحداث الفيلم إحدى أجمل أغانى الحج وهى أغنية: «يارايحين للنبى الغالى».
لم يستمر زواج ليلى مراد وأنور وجدى حيث نشبت بينهما العديد من الخلافات التى تسببت فى وقوع الطلاق أكثر من مرة، فكما قالت القيثارة فى مذكراتها التى نشرها الكاتب الكبير صالح مرسى، فى كتاب «ليلى مراد»، رأت نفسها «ليلى» التى تنتظر «قيس»، وظنت أن أنور وجدى الذى فتحت له قلبها فأحبته وتزوجته هو قيسها، لكنها اكتشفت أنها بالنسبة له ليست أكثر من «مشروع تجارى» يدر له ربحا وفيرا، ولأنها تعلمت ألا تترك حريتها لأحد، اصطدمت به، فكان الطلاق مرة، والعودة، ثم الطلاق والعودة، حتى كان الطلاق الثالث والنهائى عام 1952.
ورغم فشل زيجة ليلى مراد من أنور وجدى إلا أن تعاونهما نتج عنه عدد من أعظم الأفلام السينمائية، حيث استطاع وجدى استثمار مواهبة ليلى مراد وشعبيتها وصوتها، واستطاع من خلال ذكائه كمنتج أن يوفر كل إمكانيات الإبهار والإبداع فى أفلامهما، ففى فيلم حبيب الروح اتفق مع دار أزياء كوكو شانيل الفرنسية الشهيرة لاحتكار تصميم الفستان الشهير الذى ظهرت به ليلى مراد فى الفيلم، بحيث لا تقوم دار شانيل بتصميم نسخة أخرى من الفستان الذى تكلف 400 جنيه بما يعادل نصف كيلو ذهب وقتها، وارتدت القيثارة الفستان لمدة نصف ساعة كاملة خلال أحداث الفيلم، كما أحضر فرقة البولشوى الروسية الشهيرة، خصيصاً لتظهر وراءها وهى تغنى أغنية حبيب الروح.
ولم يكن أنور وجدى الوحيد الذى كونت معه ليلى مراد دويتو ناجحا، بل كانت عنصرا هاما فى نجاح دويتوهات أخرى مع محمد فوزى فى فيلم ورد الغرام الذى شاركته فيه الاستعراض الشهير شحات الغرام، كما كونت دويتو ناجحا مع حسين صدقى الذى شاركته 5 أفلام وهى: «ليلى، ليلى فى الظلام، شاطئ الغرام، آدم وحواء، الحبيب المجهول».
أخلاق القيثارة..
فضلا عن موهبتها الكبيرة تميزت بأخلاقها ورقتها ومودتها وعزة نفسها ورقيها فى التعامل مع زملائها وهو ما جعلها تحظى بمحبتهم إلى جانب محبة الملايين من جمهورها الواسع فى كل أنحاء العالم.
ومن بين المواقف التى تظهر أخلاق ورقى قيثارة الفن ومساعدتها لكل زملائها حتى وإن كان على حساب نفسها ما فعلته مع العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، الذى أعجب بأغنية تخونوه والتى كانت فى الأصل مخصصة للفنانة ليلى مراد وسجلت مقطعا منها، ولكن حين سمع العندليب اللحن من صديقه بليغ حمدى أعجبته ورأى أنها تناسب أحداث فيلمه الجديد «الوسادة الخالية»، فطلب عبدالحليم من صديقه بليغ أن يتوسط له عند ليلى مراد كى تتنازل له عن الأغنية، وبمجرد أن عرفت القيثارة لم تمانع، وكتبت رسالة رقيقة للعندليب تثنى فيها على صوته وتشجعه وتؤكد له أنها لا تمانع فى أن تتنازل له عن الأغنية ولكن بعد استئذان شركة الاسطوانات وموافقة المؤلف، مؤكدة أنها ستتوسط وتقنعه بأن وجود الأغنية ضمن الفيلم سيكون أفضل، مؤكدة أنها متنازلة عن أى حقوق مادية أو قانونية خاصة بها لأنها ستكن سعيدة بتقديم أى شىء يساهم فى نجاحه، قائلة: أنا غنيت كتير جدا وأحب أن أرى نجاح الشباب، وبالفعل غنى العندليب «تخونوه»، فى فيلم الوسادة الخالية وحققت نجاحاً كبيراً، وهكذا كانت أخلاق قيثارة الفن الجميلة قلبا وقالبا.
ووصل إجمالى عدد الأفلام التى شاركت فيها الفنانة الكبيرة ليلى مراد إلى 27 فيلما من أنجح وأشهر الأفام السينمائية، وكان آخر أفلامها فيلم الحبيب المجهول عام 1955، و بعده قررت الاعتزال وهى فى قمة مجدها وشعبيتها قبل أن يتجاوز عمرها 37 عاما، تاركة رصيداً غنائياً يتجاوز 1200 أغنية، تعاونت فيها مع كبار الملحنين، ومنهم محمد فوزى، محمد عبدالوهاب، منير مراد، رياض السنباطى، زكريا أحمد والقصبجى، ولم تنجح محاولات الكثيرين لإعادة ليلى مراد للأضواء والفن، لكنها ظلت رغم اعتزالها حاضرة فى وجدان الملايين.
وبعد طلاق ليلى مراد من أنور وجدى تزوجت وجيه أباظة أحد الضباط الأحرار وأنجبت منه ابنها أشرف، ولكن لم تستمر هذه الزيجة وبعد الطلاق تزوجت من المخرج فطين عبدالوهاب وأنجبت منها ابنها الفنان زكى فطين عبدالوهاب.
كذبة إسرائيل..
خلال حياتها طاردت ليلى مراد شائعة سخيفة وخبيثة تشكك فى إسلامها وتتهمها بمساعدة إسرائيل والتبرع لها والسفر إليها، وهى الشائعة التى ترددت فى الخمسينات فى أوج نجاح القيثارة، واتهم البعض أنور وجدى بأنه كان وراء هذه الشائعة للانتقام من ليلى مراد بعد طلاقهما، وسببت هذه الشائعة أكتئابا وحزنا شديدا للفنانة الكبيرة العاشقة لمصر، ورغم أن مجلة المصور نشرت عام 1952 خطابا من القوات المسلحة المصرية أكدت فيه أن ليلى مراد لم تسافر لإسرائيل ولم تتبرع لها بأى مبلغ، إلا أن اسرائيل حاولت استغلال هذه الشائعة حتى بعد وفاة الفنانة الكبيرة وتصدر خبر وفاتها الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية تحت عنوان «رحيل المطربة اليهودية الكبيرة ليلى مراد»، بالرغم من أن الفنانة الكبيرة أشهرت اسلامها منذ عام 1946 وظلت حياتها تعتز باسلامها وتداوم على قراءة القرآن حتى قبل رحيلها مباشرة وتركت مصحفها بجوار سريرها وبه علامة تشير إلى السورة التى توقفت عندها قبل رحيلها.
وأوصت فى أواخر أيامها بأن تشيع جنازتها من مسجد السيدة نفيسة، ورحلت القيثارة ليلى مراد بعد حياة حافلة بالفن والإبداع والأم والأحزان فى 21 نوفمبر عام 1995، وكانت الفنانة الكبيرة قد لخصت حياتها ووصفتها فى مقال بعنوان «أنا»، نشر بمجلة الكواكب عام 1954، قالت فيه: «أنا ابنة الحظين، الحظ الباسم والحظ العاثر، الحظ الضاحك والحظ العابس، دارت بى عجلة الحياة فى غير الدورة التى كنت أمنى النفس بها، دارت بى متخذة وجهة غير التى كنت أريدها، قال الناس عنى: مطربة ذات صوت شجى أخاذ، وقال الناس عنى: محظوظة ذات طالع سعد نادر، وأقول عن نفسى: أنا ليلى مراد التى تعذبت فى حياتها الماضية، وتتعذب فى حياتها الحالية، وسوف يطاردها العذاب فى حياتها الآتية، كنت لا أريد لنفسى أن أكون مغنية، ولا ممثلة، وكنت أمنى نفسى بأن أكون مدرسة، أو زوجة كباقى الزوجات السعيدات، وفشلت فى أن أكون مدرسة لأن القدر حارب أبى فى رزقه بعد أن أفسح له صدرا طويلا عريضا، فقذف بى كورقة أخيرة فى يده على مائدة الحياة لكى يستمد القوت له ولإخوتى منى، وكان القوت عسير المنال إلا على المطربات وأهل الفن حيث المال الوفير، والعيش الرغيد، وباعدت حياتى الجديدة بينى وبين الزواج الموفق، الزواج فى كنف ظليل لا حسد فيه ولا وقيعة ولا ضغينة، أذبت روح قلبى فى الفن لكى أصعد، وسهرت الليالى مؤرقة لكى أنام بعدها قريرة العين وبكيت الشهور خوفا من الفشل، ثم لم أستعد ذوب قلبى ولم أنم قريرة العين وما زلت أبكى، لا خوفا من الفشل، بل أسفا على ما فات»، ليوضح هذا المقال قدر المعاناة والأحزان التى عاشتها القيثارة ليلى مراد.