28 يناير 1947.. وفاة رائد نهضة الطب الدكتور على إبراهيم باشا الذى تمسكت أمه بتعليمه
أصيب الدكتور على باشا إبراهيم، رائد الطب فى مصر، بأزمة قلبية شديدة يوم 4 فبراير 1944، وظل مرض القلب يتردد عليه بين الحين والآخر لتزداد حالته سوءا، وفى 28 يناير، مثل هذا اليوم، 1947 توفى وعمره 67 عاما، وشيعت جنازته من ميدان التحرير، وكانت من كبرى جنازات القاهرة وقتئذ، وفقا لكتاب «على باشا إبراهيم.. رائد النهضة الطبية الحديثة» تحرير الدكتور خالد عزب، وسوزان عابد، عن مكتبة الإسكندرية.
كانت وفاته ختاما لرحلة أحد البنائين العظام فى تاريخ مصر، بدأت حياته بمعاناة فى طفولته، لكنها غرست معنى أن يكون الطبيب صاحب رسالة لنهضة بلده، ويذكر «عزب» أنه ولد فى 10 أكتوبر 1880 بالإسكندرية، ووالده إبراهيم عطا من مواليد مطوبس، بكفر الشيخ، وكان يعمل فلاحا بقرية منية المرشد، ووالدته هى الحاجة مبروكة خفاجى، وسرعان ما تم الطلاق بينهما، فذهبت الأم بابنها إلى الإسكندرية، وحرصت على تعليمه، ولأجل ذلك عملت قابلة، وفى يوليو 1882 عندما ضرب الأسطول البريطانى الإسكندرية عاشت به فى العراء عدة أيام، وفى الثامنة من عمره ألحقته بمدرسة رأس التين الابتدائية، وكانت توفر مصاريفه الدراسية بصعوبة، متشجعة بتفوقه حتى حصل على الابتدائية عام 1892، وما إن علم الأب بنبأ نجاح ابنه ذهب إلى الإسكندرية لضمه فراوغت الأم، وفى ليلة ذهب إلى منزلها ومعه جماعة من أصدقائه لأخذه للعمل معه.
ولتمسك الأم بحلم تعليم ابنها تمكنت من تهريبه وأعطته مالا، وطلبت منه أن يركب القطار ويتوجه إلى عائلة السمالوطى بالقاهرة ليساعدوه فى استكمال تعليمه، بناء على نصيحة لها من أبناء العائلة بالإسكندرية، ونجحت خطة الأم، فالتحق بالقسم الداخلى بالخديوية الثانوية بدرب الجماميز، ونال شهادة البكالوريا بتفوق فى 26 سبتمبر1897، والتحق بمدرسة الطب ليتخرج منها عام 1901، وكانت مدة الدراسة فيها وقتئذ أربع سنوات، وعدد طلاب دفعته 12 طالبا، وباقى الدفعات 15 طالبا، وردا منه لجميل أمه كان يرسل إليها شهريا ثلاثة جنيهات يتقاضاها مكافأة تشجيعا لدراسة الطب، ويتكسب هو قوت يومه من قراءة القرآن على المقابر.
يذكر «عزب»، أن على إبراهيم أظهر نبوغا فائقا بمدرسة الطب، وكان الأول على دفعته بفارق ثمانين درجة عن الثانى، وفى 21 أكتوبر 1901 صدر له من نظارة الداخلية تصريح بمزاولة مهنة الطب فى القطر المصرى، وفتح مع صديقه الدكتور عبدالمجيد محمود عيادة بالقاهرة، لكنه اكتشف صعوبة المهمة لإقبال المرضى على الأطباء الأجانب، وعيش الطبيب المصرى غريبا فى وطنه، وعمل فى مصلحة الصحة «وزارة الصحة حاليا» بقسم الأوبئة، لتظهر عبقريته فى تشخيص أمراض أصابت الريف المصرى وحيرت الأطباء ومنها وباء الكوليرا عام 1902، ووباء الجمرة الخبيثة، وتولى مستشفى بنى سويف، وفيها أجرى أول عملية جراحية باستئصال كِلية، وأول عملية تفتيت حصوة فى المثانة دون إجراء جراحة كبيرة لتنطلق شهرته فى بنى سويف، وانتقل إلى أسوان عام 1904، وفيه أيضا انتقل مديرا لمستشفى أسيوط الأميرى، واتفق مع أحد الأديرة على إرسال راهبات للتمريض بمكافأة شهرية، واستطاع إقناع مصلحة الصحة بصرف مكافأة لهن، ليكون بذلك أول من أدخل الممرضات بالمستشفيات المصرية، وفقا لتأكيد «عزب».
عاد إلى القاهرة ليلتحق بوظيفة «مساعد الطبيب الشرعى» بقصر العينى من 1909 إلى 1924، وفى 1912 نشبت حرب البلقان، وتأسست جمعية الهلال الأحمر المصرية فسافر على رأس بعثة من أطباء مصريين إلى مواقع الحرب، وأنشأ مستشفى مركزيا يجرى فيه العمليات الجراحية وحقق نجاحا باهرا، ودون ملاحظاته عن مرض «غنغرينا القدم» الذى يصيب المحاربين فى الخنادق، ولما عاد منحته الحكومة رتبة الباشوية من الدرجة الثالثة.
أصبح أستاذا بكلية الطب بالجامعة المصرية عام 1924، ثم وكيلا للكلية عام 1928، وفى 30 إبريل 1929 انتخبه مجلس الكلية عميدا بإجماع الأصوات، فكان أول مصرى يشغل هذا المنصب، ويذكر الدكتور نجيب محفوظ أحد رواد الطب فى مصر والذى تخرج بعده بدفعتين، أن إنجازاته أثناء عمادته تتلخص فى ثلاثة أشياء، المبانى وأبرزها بناء المستشفى الجديد فى قصر العينى عام 1936 للعلاج المجانى، وشخصيته كعميد، وتمصير هيئة التدريس، فحين تولى الكلية كان بين أساتذتها ثلاثة مصريين فقط، ثم تركها وعدد الأجانب أربعة فقط، ويذكر خالد عزب، أنه فى عهده التحقت الفتيات بكلية الطب، أربع فى أكتوبر 1929، وست فى 1930، وطالبتان فى 1931، وست فى 1933، وسبع فى 1934.
فى عام 1940 تأسست نقابة الأطباء، وانتخب أول نقيب لها، واستمر عميدا لكلية الطب حتى تم تعيينه وزيرا للصحة فى 27 يونيو 1940، وبعد تركه الوزارة صدر مرسوم فى 2 سبتمبر 1941 بتعيينه مديرا لجامعة فؤاد الأول، كما ساهم فى تأسيس جامعة فاروق الأول بالإسكندرية مع الدكتور طه حسين.
نقلا عن اليوم السابع