وحيد حامد يكتب: الفوضى تحكم..!
بكل حرارتها وقوتها وسطوتها على الكون كله تحجبها سحابة من الغمام، وهناك بلاد لا ترى الشمس طوال العام إلا فى القليل النادر بفعل السحاب الذى يتكون من بخار الماء، وسد مأرب كما تحكى الكتب القديمة اخترقته الفئران وتسببت فى انهياره، والذباب الذى يقال عنه إنه أحذر المخلوقات يصطاده ويأكله أكسل المخلوقات وهو العنكبوت، والأمثلة فى هذا الشأن كثيرة.. إلا أنه من الثابت والمؤكد أننا لا نتعلم من حكمة الخالق فى خلقه أو من حركة الحياة أو عجائب هذا الكون الذى نعيش فيه.
أيضاً لدينا كم هائل من الحكم والأمثال التى فيها فائدة للناس فى حالة سماعها والعمل بها، ولكننا نحكيها فقط ولا نعمل بها.. مثلاً نقول «إن معظم النار من مستصغر الشرر» ومع هذا نترك كتل النار والجمر تحيط بنا.. لا يفزعنا إلا حدوث الحريق، ولا نفيق إلا بعد حدوث الكارثة.. وعليه كانت هذه المقدمة البسيطة والتى يدركها العقلاء لا الجهلاء.. والصغار قبل الكبار.
بلا أى نقاش ممل، أو جدل عقيم، أو نفاق مفضوح، أو كذب مشبع بالضلال، نحن أيها السادة فى بلد تحكمه الفوضى وتملى عليه إرادتها، مع ثورة يناير المجيدة أو غير المجيدة، ضربت الفوضى ضربتها الشريرة واحتلت أرجاء البلاد بالكامل من حلايب وحتى السلوم، دون أى مقاومة تذكر، حتى إن البعض الكثير كان يرى أنها من مستلزمات الثورة ولا بأس بها، وفى كل ساعة تمر تزحف الفوضى زحف الأفاعى وتحتل المدن والقرى والمصالح والهيئات ووسائل النقل وصولاً إلى أخلاق الناس وسلوكياتهم.. وكانت النتيجة أن مصر المحروسة خسرت نفسها تماماً، والويل.. كل الويل لمن تحكمه الفوضى، يصبح القانون حبراً على ورق، أو كلمة إذا تم نطقها تقابل بالاستهزاء، ويصبح الحق باطلاً، وتموت الشهامة وتنتحر النخوة، وأكثر من ذلك يسود الخوف بين الناس حيث يصبح «البلطجى» هو صاحب السيادة والريادة، والذى يملك القوة والجبروت له الأمر وعلينا السمع والطاعة، ويتحول رجل الشرطة إلى ظل رجل لا حول له ولا قوة، وتصبح الشوارع ساحات قتال، وينتشر الإهمال، وتخرج علينا كل أشكال الجريمة من أوكارها لتضرب الأبرياء، وهنا تكون الدولة فى هشاشة شجرة جافة غزاها السوس.
والأخطر من الفوضى هو التعايش مع الفوضى والاستسلام لها، حيث صارت القاعدة، وهى القاعدة ولا يوجد لها استثناء.. تعايشت معها الحكومات الباهتة الرخوة والبليدة، والتى تعاقبت علينا منذ يناير، وحتى لحظة كتابة هذه السطور.. وتعايش معها المجتمع مجبراً نظراً لغياب من بيدهم زمام الأمور.. أو بمنطق الخضوع للأمر الواقع.. أو اليأس من صلاح الأحوال.. أو الإحباط الذى أصاب الناس بالنكد والهم والغم.. حكومات متعاقبة ترى الفوضى وتغمض عيونها فى حماقة وصلف وعجرفة غير مقدرة الخطر الذي لا يرد.. حتى تمكنت الفوضى من كسر رقبة هذا الوطن الذى أصابه الوهن.
الحالمون من أهل هذا الوطن كانوا يأملون ويسألون الله جاهدين أن تسعى إدارة البلاد فى الوقت الحالى لإعادة هيبة الدولة، وفرض النظام وإعمال القانون، ومقاومة هذه الفوضى التى توحشت وشملت كل شىء.. بل أكلت كل شىء طيب كان موجوداً.. أو تم إنجازه مؤخراً.. نعلم أن هناك مشروعات لإنشاء الطرق ونحن نقدر أهميتها.. ولكن مشروعات الفوضى أقوى..!!
فما فائدة الطريق فى عدم وجود من لا يحترم الطريق.. فى كل يوم تأتينا أخبار حوادث الطرق المؤلمة، وغالبا ما يكون الضحايا بالعشرات، وذلك لأن الفوضى فرضت قانونها الذى فرض علينا السائق المتهور غير المؤهل أصلاً لقيادة السيارة، أو المخدر، والمكلف بمراقبته، إما مهملاً أو مرتشياً أو سافلاً من أى نوع.. وهكذا فى شوارع المدن حيث غابت واختفت تماماً كل قواعد المرور، وأصبحنا البلد الأسوأ بلا منازع.. حيث السير عكس الاتجاه إجبارى.. و«الشجيع يفتح بقه» بالله عليكم هل تعجز دولة تتفاخر بنفسها عند فرض النظام والقضاء على الهمجية السائدة الآن.. صحيح وثابت أن الفوضى يرتزق من ورائها أنواع مختلفة من الطفيليين ويحرصون على وجودها، والدولة الرخوة تتعامل معهم برفق ولين مثل محترفى التسول أصحاب المهارة فى الانتشار بين السيارات، وباعة الطعام..!!
بالله عليكم كيف يتمكن سائق سيارة مهما كانت مهارته من القيادة فى زحام همجى وهو يأكل؟!.. وكان من الطبيعى أن تفرض الفوضى سطوتها ويتحول عمال النظافة إلى التسول فى الشوارع بدلاً من كنسها.. علمت مؤخراً أن أحد المستثمرين وصل إلى القاهرة من دولة عربية فى ثلاث ساعات ووصل إلى فندقه فى أربع ساعات، وبات ليلته وعاد إلى بلاده «بالعربى خدها من قصيرها.. هى دى بلد ينفع فيها أى حاجة. فى هذا البلد هل يستطيع مواطن أن يناقش سائق عربة سيرفيس.. أو حتى سائق تاكسى أزال العداد من عربته.. أو حتى سائق توك توك يتسابق ويجرى فى الشوارع كالفأر المذعور..
بلد تسوده الفوضى لا أمل للسياحة فيه..؟ لا أحد يقول الآثار.. أو الشمس والهواء والشواطئ.. الفوضى تجلب القذارة والسفالة والجشع والانحطاط، وكلها أمور طاردة لأى سائح.. كما أنها طاردة لأى زائر وأى مستثمر.
ومن البديهيات أن الفوضى ضد التنمية وهى الراعى الرسمى للجريمة والطاردة للأمن والأمان، الآن أصبحت الشوارع ملكاً خالصاً للبلطجية، كل واحد منهم بسط نفوذه على جزء من الشارع وصار حاكما له وذلك فى غياب الدولة وإهمالها المتعمد فى إدارة شؤون البلاد، لن يتحمل المواطن المصرى أكثر من ذلك خاصة أنه مخنوق بغلاء الأسعار وضيق المعيشة وضعف الخدمات وصعوبة الحياة بوجه عام، والمواطن لا يطلب سوى الحد الأدنى من حقوقه، التى هى من واجب الدولة التى صارت تعمل لغير صالحه، بعد أن باعت الأرصفة للمعلمين الكبار أصحاب الأكشاك وأعمدة منصات الإعلانات، وأصبح لزاماً على المواطن أو المواطنة أن يسير فى نهر الشارع وهو يتلوى بين السيارات، بينما حقه فى طريق آمن مسلوب بفعل فاضح من أجهزة الحكم المحلى الخربة، ومن المعروف أن منظومة الفساد مركزها الأحياء ورؤسا الأحياء وموظفو الأحياء.. والمدهش أن فسادهم معلن وظاهر فى وقاحة نادرة، وكأنهم يحملون تصريحاً بمزاولة الفساد وتخريب البلاد.. الحكم المحلى هذا بمنظومة الفساد التى تمكنت منه أصبح الصانع الأول للفوضى التى اجتاحت البلاد.. الفوضى التى أكلت الأرض الزراعية وزرعتها بأعمدة الخرسانة والمبانى العشوائية القبيحة، الفوضى التى نتج عنها آلاف من حالات البناء المخالف فى المدن.. الفوضى التى عملت على انتشار العشوائيات التى كانت خارج المدن، الآن أصبحت العشوائيات داخل المدن ولا أحد يحاسب أحداً.. حتى إن البعض ينكر وجود الدولة أصلاً.. وصحيح وثابت أن الدولة فى حالة حرب مع الإرهاب، وهى معركة مريرة وصعبة ومكلفة، وجالبة للحزن والأسى، حيث لا يمر علينا يوم واحد إلا وفيه شهداء وكأن شياطين الإرهاب فى سيناء يتوالدون ويتكاثرون ولا ينتهون كأنهم فئران متوحشة تخرج علينا من الشقوق والجحور.. أيضاً نقدر ونثمن المشروعات الكبيرة والعملاقة التى يجرى العمل فيها ويتم إنجازها، أيضا نقدر ونثمن النوايا الطبية فى الإصلاح، إلا أن كل هذا تأكله الفوضى ولا يحس به أحد.. استقرار الشارع المصرى وعودة الانضباط إليه وإعمال القانون وتفعيله له نفس أهمية الحرب ضد الإرهاب، ونفس أهمية المشروعات القومية..!!
تحرير مصر من الفوضى بعد أن توحشت وسيطرت على كل شئ فى حياتنا، فى المصالح الحكومية وغير الحكومية، هناك إهمال متعمد فى أمور الصيانة والنظافة، وأصبحت هذه الأماكن مثل الحظائر، رغم أن العاملين بها والمتعاملين معها من البشر، أيضا فرضت الفوضى نفسها على عقول الناس فتغيرت أحوالهم إلى الأسوأ.. لا أحد يقول لى إن الفوضى لها جذور عميقة وإن عمرها طويل فى بلدنا، الذى نرجو له السلامة والعافية.. وهنا أقول فعلاً جذورها عميقة، ولكنها لم تكن بمثل هذا التوحش، وحتى لو كانت فى الماضى بنفس هذا القدر من التوحش، فإن واجب الدولة التصدى لها والعمل على فنائها.. يوماً ما كانت الإسكندرية من أجمل المدن ولها شهرة عالمية.. انظروا ماذا فعلت الفوضى بها.. أصبحت مثل عجوز شمطاء، وأكثر من ذلك أهملت نفسها وفقدت طابعها وصارت مدينة مشوهة، وأيضاً القاهرة يوماً ما كانت حسنة السمعة هى الأخرى تحولت إلى مدينة قبيحة فعلاً.. شركات الإعلانات دمرتها من أعلى ومن أسفل، وفى غزوة تتارية شوهت المبانى والجسور والطرق فى انتشار عشوائى مدمر، رغم أن لدينا وزارة للبيئة، ولدينا ما يسمى التنسيق الحضارى، ولكن الفوضى تحكم والفساد يدعم ويساند.. ويزعم البعض أن الرؤوس الكبيرة فى الدولة لا تهتم بمثل هذه الأشياء، وهم مشغولون بإطعام الناس وإسكاتهم، أما الإحساس بالجمال وسحر النظافة والاستمتاع بالذوق الرفيع فهذا ترف لم يألفوه.. ولا يجب أن يتعود الناس عليه.
أضف إلى ذلك شراهة الدولة فى الجباية وجمع المال بأى طريقة حتى لو كانت على حساب المواطن وسرقة حق من حقوقه فى مخالفات واضحة وشديدة الفجاجة، وفى كافة دول العالم حق المواطن لا يمس.. ولكن عندنا يجرى تدمير كل شىء فى هدوء وسكينة، وكأن هناك عدواً ماكراً ولئيماً يوظف أصحاب القدرات الفائقة فى الهدم للقضاء على هذا البلد، الذى كان يوماً ما من خير بلاد الله على الأرض. وامتدت الفوضى إلى أخلاقنا وسلوكياتنا، وهجمت على ثقافة الشارع المصرى السائدة بقصد تدميرها، وهى ثقافة العمل وعزة النفس والكبرياء المحمودة والرأس المرفوع.. بفعل الفوضى اختفت ثقافة العمل، وحل محلها ثقافة التسول بكل أنواعه وفصائله، حتى إن الدولة نفسها دخلت بقوة فى هذا المجال، وفى منافسة مع الجمعيات الخيرية التى يعشش فى أغلبها الفساد، وانعدام الضمير، والتى تجمع ملايين الملايين، ولا تنفق منها على أوجه الخير إلا أقل القليل.. كنا نتفاخر بأننا مصريون.. الآن نبدى تعاستنا لأننا مصريون..!! وضاعت خفة الظل التى كانت تميزنا والرأس المرفوع فقد اتزانه فوق الجسد، ومن يمد يده فإنه يسقط الكبرياء بإرادته.
أيضاً زحفت الفوضى بقوة لتفرض قوانينها على الحالة الدينية فى مصر، والتى كانت آمنة ومستقرة وثابتة، والتى كانت قائمة على الإسلام الحقيقى والمعتدل، حتى سمحنا للفوضى بالدخول والانطلاق، التيارات السلفية المختلفة تتعاون فيما بينها لنشر أفكارها المتشددة بقصد تغيير هوية المجتمع المصرى، ودفعه إلى السلفية الوهابية التى ترعاها السعودية، وهى تحقق نجاحات متتالية، وممكن قياس ذلك من خلال أعداد السيدات المنتقبات فى الشارع، وفى مجالات العمل المختلفة، ومع انتشار عادات لم نألفها.. وفى المقابل تأتى الطرق الصوفية لتعمل بوعى أو بلا وعى على تغييب العقل المسلم وسلب إرادته والدفع به إلى عالم الخرافة والشعوذة.. هل سمعتم عن الرجل الخرف الذى يطلق على نفسه «ابن النبى»، والكارثة ليست فى ذلك.. الكارثة أن له أتباعاً و مريدين ومصدقين، هل سمعتم عن صاحب الضريح الذى عليه صورة الرسول والصحابة والشيخ الشعراوى والرئيس السيسى.. والمصيبة ليست ذلك أيضا.. المصيبة الكبرى أن صاحبه كان يريد من الدولة أن ترعاه بنفسها، هذه الفوضى لا تجد من يتصدى لها، لا من رجال الجهات المعنية بضبط الجرائم.. ولا من رجال الأزهر الأفاضل الذين يتحملون مسؤولية الحفاظ على الدين الإسلامى الصحيح.. ومع انتظار الزوايا الصغيرة تحول البوابون إلى مشايخ يتولون مهمة الإمامة والوعظ..!! وهم الذين يصرخون فى مكبرات الصوت عمال على بطال.. وقد يتهمنى أحد من هؤلاء أننى ضد الدين الإسلامى، لمجرد أننى هاجمت من يخالف الدين الإسلامى..
الفوضى الدينية أيها السادة تحمل بذور الفتنة وفساد المجتمع والصدام الذى قد يحدث فجأة، ودائماً وأبداً القش دائما ساخن وقابل للاشتعال بسرعة عندما يكون السبب هو الدين.
والمدهش والمحير أن بعض كبار المسؤولين فى الدولة يعتقدون بالخطأ أن وجود التيارات السلفية وانتشارها يناهض ويحد من تمدد التيارات الإسلامية الأخرى، وتحديداً جماعة الإخوان، إلا أن هذا اعتقاد خاطئ، مائة فى المائة، حيث لا يمكن الخلاص من شر بشر أكبر منه، ولا يمكن أن نربى الثعابين حتى تأكل الفئران، لأنها ستقضى علينا بعد أن تقضى على الفئران، مع علمنا التام أن كل جماعات الإسلام السياسى ثعابين، وجميعهم فى حالة تحالف، بدليل تواجد السلفيين فى ميدان رابعة بكثافة أكبر من كثافة الإخون، ولا يجب أن نتجاهل النشاط المستمر والمتجدد لجماعة الإخوان، وأنها لم تستسلم، وأنها عادت إلى مزاولة نشاطها الدعوى، كما تطلق عليه، بالإضافة إلى نشاطها الإرهابى. وهكذا فإن النار تحت الرماد ونحن لا ندرى.. حيث إن القارئ الجيد للمشهد الدينى فى مصر يدرك أننا نبتعد عن الدولة المدنية، التى نص عليها الدستور الملزم لنا جميعاً، رغم أنه متصدع منذ لحظة وجوده، ولأن الفوضى كما تخفى الجيد فإنها أيضاً تخفى الردىء، وعليه نرى ما نراه من شتى أنواع التخبط وعدم الإحساس بالخطر القادم إلينا فى ثبات..
والشارع المصرى له تحليلاته وتأويلاته، وكذلك رواد المقاهى الذين ينفثون غضبهم مع دخان المعسل الذى يحرق القلب، يقولون إن الدولة فى زمانها الحالى تترك الحبل على الغارب للفوضى، وتدعها تلهو وتمرح وتصول وتجول بهدف عدم إغضاب الناس وكسب رضاهم، وبالطبع فإن هذا منطق أعوج ومغلوط، لأن غالبية هذا الشعب لا تريد الفوضى، ولا ترحب بها، وتعلم أنها من أهم أوجه فساد الحياة وعرقلة سيرها، وأن القلة القليلة جداً هى المستفيدة من الفوضى، وهى التى تحرص على وجودها.. ثم إن سياسة الصبر وطولة البال والطبطبة تتضاعف يومياً مع انتشار الفوضى كأنها الوباء الزاحف..
فإذا علمنا أن فرض النظام وهدم قلاع الفوضى تكلفته قليلة جداً إذا قورنت بالخسائر التى تسببها الفوضى فإننا نضرب كفا بكف ونسأل أنفسنا من المستفيد..؟
وكان يمكن أن ننهى المقال هذا عند هذا السوال.. إلا أن ما يجرى على الساحة من فوضى أخذنا أخذاً إلى الفوضى الإعلامية الحادثة الآن، فقد أعلنت السيدة «سما المصرى»، وهى مطربة معروفة، تتمايل وتهتز أثناء الغناء على طريقة الشىء لزوم الشىء.. أنها ستقدم فى شهر رمضان المقبل برنامجاً دينياً..!! وقامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن، وأصبح الأمر حديث الناس كلها.. وسادت حالة من السخط أحيانا، والاستنكار أحياناً، وأصبحت المطربة هدفاً للهجوم عليها وهى فى حالة فرح ونشوة، فقد صارت حديث المجتمع، وأكدت شهرتها لا فى عالم الغناء، ولكن فى عالم الفرقعة الإعلامية، وهاج السلفيون وماجوا ومعهم كافة التيارات الدينية، بالإضافة إلى كل أطياف المجتمع.. رغم أن المسألة فى غاية البساطة، تفرق إيه «سما المصرى» عن كافة السيدات اللائى يقدمن البرامج الدينية فى مختلف القنوات.. كل ما تحتاجه جلابية فضفاضة سوداء اللون أو مزركشة وعلى رأسها حجاب على هيئة عمامة، وعلى وجهها كم هائل من المساحيق، يكفى لدهان حائط، وإذا كان على الشهادة العالية فالفنانة سما المصرى معاها واحدة، حسب ما سمعت.. وأعتقد أن الثقافة واحدة.. أيضاً نجد أنها تتساوى مع الدعاة الجدد من الرجال الذين يرتدون الملابس الغالية المستوردة.. شأنها شأنهم تماماً، وأى رجل داعشى ساخط وناقم على أتم الاستعداد للزواج من المطربة سالفة الذكر ويعاشرها ليل نهار، ويرى أن هذا هو الإسلام!
ثم إنها ليست المرة الأولى التى تتحول فيها فنانة إلى داعية إسلامية، ممثلة الإغراء «س.ر» و«ح. ت» على سبيل المثال لا الحصر.. وقتها لم تحدث مثل هذه الضجة الفارغة.. فلماذا الاعتراض على هذه المطربة.. من حقها طلب المعاملة بالمثل طالما أننا نعيش فى زمن الفوضى الكاسحة وإعلام الفرقعة الذى فقد رسالته، وفقد هويته وصار تافهاً وساقطاً.. قنوات كثيرة ومتعددة يمولها الإعلان، فصارت مستنقعاً للنميمة والإضحاك بالعافية وترويج السخافات وثرثرة النساء المملة والبرامج الفجة وأحياناً القبيحة، حتى القنوات الجديدة سقطت فى هذا المستنقع بإرادتها ورغبتها، رغم أن الأصل فى وجودها تقديم إعلام مغاير ينهض بالذوق العام ويعمل على عودة الوعى وينشر الترفيه والفن غير الهابط والمسف.. ويحمل أهداف الدولة الوطنية ويحلق بها.. وكل هذا لا وجود له.. أموال طائلة تنفق دون أن تحقق أى فائدة، إعلام الفرقعة والإثارة وتغييب العقول.. إعلام الفوضى فى بلد الفوضى.. وهكذا الدنيا تسير بنا.. والسؤال إلى أين..؟!.