أنيسة حسونة تكتب: ٥ نقط «مزايدة» بسْ يا عم صالح!
لا شك أن الكثير منْا يتذكرون هذه الجملة الشهيرة التى يقولها عماد حمدى فى فيلم «الزوجة العذراء» محذرا من عدم زيادة جرعة الدواء، والحذر بشأن عدد النقط التى توضع فى كوب الماء خشية أن يموت المريض..
وأنا هنا أخاطب بهذه الجملة البعض منا ممن يجعلون جلْ همهم المزايدة على الآخرين فى أى وكل شىء آناء الليل وأطراف النهار، وكأن ذلك هو وظيفتهم الدائمة ومصدر عيشهم، ولذلك أطلب منهم الرفق بأنفسهم وبنا وبمصر التى نعيش جميعا فى ظلها، ولذلك أرجوهم أن يكتفوا بـ ٥ نقاط مزايدة فقط حتى لا يموت المريض من المبالغة فى جرعة «المزايدة»..
فكلنا يا حضرات نحب مصر وندعم الدولة المصرية ونؤمن بحتمية ما حدث فى ٣٠ يونيو ولكننا لا نتوقف عن أداء أعمالنا ونتقاعس عن إتقان هذا العمل لنتفرغ مثلهم للمزايدة الجوفاء التى لا تسمن ولا تغنى من جوع بل تركز دائما وأبدا على أنهم الوحيدون الوطنيون العالمون ببواطن الأمور والمطلعون على الأجندات الخفية أو المؤامرات الكونية حيث يبرعون فى تقديم وجهات نظرهم الأحادية وكأنهم يحتكرون الحقيقة ولا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم؛ ونحن نريد أن نقول لهم أرجوكم رشْدوا المزايدة قليلا لأجل خاطرنا فهذا الوطن المثخن بجراح السنين لا يحتمل مهاتراتكم أكثر من ذلك، وإنما يحتاج للعمل الجاد الدؤوب الذى يتحقق من خلاله النجاح المأمول، وليس من خلال السعى نحو إثبات فشل الآخرين أو المزايدة على وطنيتهم..
فنحن قد تعدينا هذه المرحلة بزمان وتكلمنا كثيرا ربما أكثر من اللازم وحان بالفعل وقت العمل وهذا ليس كلاما إنشائيا للاستهلاك الإعلامى وإنما حقيقة يدركها كل ذى عينين ممن ينظرون إلى حال هذا الوطن والتحديات التى تجابهه.
لقد مضى بالفعل الزمن الذى كان يمكن أن نجلس فيه جميعا على خطوط التماس لننتقد بقسوة ونسخر من كل من يبذل جهده للإصلاح والدفع إلى الأمام بل ونزايد على كل من يقول رأيا موضوعيا؛ صوابا كان أم خطأ من وجهة نظرنا؛ فى محاولة انتهازية نفعية بغرض أن نظهر أمام الرأى العام وكأننا زعماء الوطنية الوحيدون، وأننا نملك التفويض الحصرى للحديث باسم الوطن الذى لا نرفع من أجل صالحه إصبعا واحدا على أرض الواقع بل نتخصص فى المزايدة فحسب سعيا وراء الشهرة أو الظهور باحثين عن الضوء أيا كان موقعه واتجاهه كما تفعل زهرة عباد الشمس غير مدركين أن جرعة المزايدة المبالغ فيها ستخنقنا جميعا المؤيدين منا قبل المعارضين لأنها تفقد الآراء الموضوعية قيمتها وإيمان الناس بها وتحوْل المشهد السياسى المصرى إلى ساحة مفتوحة للأصوات الزاعقة نسمع فيها جعجعة ولا نرى طحنا..
فلنجرب قليلا أن نضبط عدد نقاط المزايدة التى نسكبها فى كوب الدواء الذى نتجرعه صابرين دون أن نزيد مرارته بمزايدات فارغة تحيد بنا عن الطريق الرئيسى الذى يجب أن نسير فيه بعيدا عن الحارات الجانبية المخصصة لإحراز النقاط الرخيصة ضد بعضنا البعض من أجل مكاسب شخصية لن تحسب لأى منا عندما يكتب التاريخ هذه الصفحات عن مصر المحروسة؛ فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض.