الدكتور زاهي حواس يكتب: أسـرار الأهرامات .. حائط الغراب
قالب من الطوب اللبن؛ كان أول ما تم الكشف عنه بالجبانة.. بعد أن سقطت سيدة أجنبية كانت تمتطي حصاناً علي الأرض، وتعثر الحصان في قالب الطوب اللبن.
في أبحاثي عن الأهرامات والمكان الذي يمكن أن يعثر به علي مقابر العمال؛ وجدت أن كل الأدلة تشير إلي أن مقابر العمال بناة الأهرام تقع خلف الحائط الموجود جنوب الأهرامات ويعرف باسم “حائط الغراب”.. وبدأنا الحفائر جنوب هذا الحائط الذي سُمي بهذا الاسم؛ لأن الأهالي يشاهدون الغربان وهي تقف وتطير وتبني أعشاشها به. وكانت هناك أسباب دعتنا للحفر في هذا المكان، وهي أن الملك “خوفو” قد بني هذا الحائط الذي يرتفع حوالي عشرة أمتار، ويمتد إلي مسافة 200 متر؛ مع وجود بوابة حجرية واحدة عند منتصفه؛ لكي يفصل بين العمال وبين الجبانة الملكية. وكانت الصدفة التي قادت إلي كشف أهم جبانة عمال من العصور القديمة بعد أن سقطت سيدة أجنبية كانت تمتطي حصاناً علي الأرض، بعدما تعثر الحصان في قالب من الطوب اللبن؛ كان أول ما تم الكشف عنه بالجبانة.
بدأنا الحفائر عام 1990م.. لنكشف أعظم وأهم اكتشاف أثري في القرن العشرين، ونعثر علي المقابر كاملة لم يدخلها لص في العصور القديمة، نظراً لأن لصوص المقابر يعرفون أن هذه المقابر لا تخص الأمراء ولا يوجد فيها ذهب أو فضة؛ وإنما أثاث جنائزي بسيط يؤمن للعامل وعائلته حياة أبدية بجوار ملوكهم.
وتم تركيز العمل حول الجدار الذي أسقطه حافر الحصان، واتضح أنه جدار لمقبرة ذات حجرة طويلة مقبية السقف، وبها بابان وهميان؛ يسمحان بطريقة رمزية بمرور روح المتوفي للاتصال بعالم الأحياء، ولاستقبال القرابين عند مقصورة القربان من خلال كوة صغيرة مفتوحة في جدار المقبرة الغربي، وقد تركوا الباب الوهمي الشمالي بدون نقوش، وسُجل اسم المتوفي وزوجته علي الباب الوهمي الجنوبي، وكان يُدعي “بتاح شبسو”، وهو اسم منتشر في الأسرة الخامسة، ويعتقد أن هذا الرجل كان رئيس أحد فرق العمال. وخلف المقبرة عُثر علي آبار الدفن الخاصة بالمتوفي وزوجته، وتجاورها في الجانب الغربي دفنات لبعض العمال، وكأنما أرادوا أن يدفنوا بجوار رئيسهم في العمل. والجدير بالذكر أن هذه المقبرة لا تشبه في تخطيطها المعماري مقابر الموظفين أو النبلاء بهضبة الجيزة، وكُسيت المقبرة بالجص، ودُعمت جدران المقبرة بخامات مختلفة من تلك التي اُستخدمت في بناء الأهرام والمعابد؛ مثل قطع صغيرة من الجرانيت والحجر الجيري والبازلت والديوريت، فكانوا يحفظونها لاستعمالها في بناء مقابرهم حتي يمكن حمايتها علي مر الزمن تأكيداً للخلود، أي نستطيع أن نقول إنهم بنوا مقابرهم مما تبقي من بناء الأهرامات.
ويجاور هذه المقبرة أكثر من 600 مقبرة من الطوب اللبن ذات أبواب وهمية من الطين، وأخذت أشكالاً مختلفة من المصطبة إلي الهرم المدرج إلي الهرم الكامل، وأخري علي شكل خلية النحل، وهو نوع من المقابر يعرف باسم “مقابر الفقراء”؛ ولذلك كان يعتقد أن الشكل الهرمي هو وقف فقط علي الملوك والملكات، ولكن العثور علي مقابر من الطوب اللبن علي شكل هرمي يشير إلي أن الملوك وعامة الشعب كانوا يبنون المقابر علي شكل هرمي، ولكن الملك بقوته ونفوذه يبني الهرم من الحجر الجيري والجرانيت، ولكن العامل الفقير يبني هرمه من الطوب اللبن.. لذلك ولأول مرة يمكن أن نقول إنه حتي في العمارة كانت هناك ديمقراطية؛ وحرية في اختيار الشكل الهرمي.