الدكتور مراد وهبة يكتب: جدوى التفاوض مع الإرهابيين
عنوان هذا المقال مشتق من عنوان كتاب لخبير التفاوض مع الإرهابيين، اسمه جوناثان باول. كان رئيس المفاوضين البريطانيين فى شأن قضية ايرلنده الشمالية فى الفترة من 1997 إلى 2007. وإثر انتهاء المدة صرح بأنه من اللازم التفاوض مع طالبان فى أفغانستان وحماس فى غزة وتنظيم القاعدة بدعوى أن أى صراع مهما يكن دموياً قابل للحل ولكن مع توافر شرطين: المثابرة ومرونة القيادة السياسية. أما كتابه فعنوانه الرئيسى «المفاوضات مع الإرهابيين» وعنوانه الفرعى «كيف ننهى الصراعات المسلحة»؟.والسؤال إذن:ما الإرهاب؟
صُك هذا المصطلح أثناء الثورة الفرنسية، وأٌلصق بالدولة التى كانت تزعم أنها مسئولة عن حماية الثورة، كما أُلصق بالذين هاجموا نابليون وهو فى عربته فى اليوم السابق على عيد الميلاد فى عام 1800. وكذلك أطلقه النازيون على الأوروبيين المعادين لهم أثناء الحرب العالمية الثانية.
وفى عام 2000 قال مانديلا زعيم إفريقيا الجنوبية : «قيل عنى بالأمس إننى إرهابى بما فى ذلك أعدائى». أما ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية فقد حاول تعريف الإرهاب عندما قال: «الفارق بين الثورى والإرهابى يكمن فى الأسباب التى تدفع كلا منهما إلى إشعال الحرب». وفى هذا المعنى يمكن أن يقال لفظ إرهابى على الذى يحارب من أجل تحرير الأرض من المحتل. ومع ذلك ظل الفارق بين الثورى والإرهابى موضع تساؤل.
ففى عام 2006 حاولت مجلة «تايم» الإجابة عن السؤال فأصدرت عدداً فى 24 يوليو تحت عنوان «لماذا يحاربون؟ ولماذا هذه الحرب مغايرة عن الحروب السابقة فى هذا الزمان». وفى ذلك العدد لفت انتباهى مقال عنوانه «جاء الوقت لبدء التفاوض» بقلم روبرت مولى الذى كان مساعداً للرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون لشئون الصراع العربى الإسرائيلى. فكرته المحورية أن هذا الصراع لن ينتهى إلا بدخول طرف ثالث فى الوقت المناسب وكان يقصد أمريكا، إذ بدونها فلا جدوى من المفاوضات، ولكنه اشترط لدخولها أن تكون لديها حزمة من الأفكار المتكاملة بحيث تكون صالحة للعثور على حل نهائى، إلا أن هذا الحل النهائى لن يكون ممكناً إذا ظل الطرفان فى حالة رعب متبادل والسؤال إذن: كيف نزيل هذا الرعب؟
أجيب بسؤال: ما أساس هذا الرعب؟
الجواب عندى أنه مردود إلى أصولية دينية متحكمة خفية فى إطار الصراع العربى الإسرائيلى، وروادها حماس فى غزة وحزب الله فى لبنان والثورة الإسلامية فى إيران والأصولية اليهودية فى إسرائيل. والقاسم المشترك بينهم هو أنهم من ملاَك الحقيقة المطلقة. وهذا النوع من الملكية مانع من التفاوض، أى مانع من إنجاز أى سلام، لأن الحقيقة المطلقة واحدة ولا تتعدد، وإذا تعددت فالحرب ضرورية للقضاء على تعددية الحقائق المطلقة وبذلك لا تبقى سوى حقيقة مطلقة واحدة. ومن هنا يمكن القول إن الإرهابيين فى هذا الزمان يدخلون فى علاقة عضوية مع معتقد دينى مطلق لا يدعو إلى تحرير وطن إنما يدعو إلى تدمير مسار حضارى يُتوهم أنه مناقض لما أنزل الله . ومن هنا فإن الإرهابى ليست له مطالب بعد إتمام عملية القتل.
والسؤال إذن: لماذا تخلو عملية القتل من المطالب؟
لأن الارهابى الأصولى يقحم الله فيما يقوم به من قتل. وإذا أقحمت الله فإن التنازل أو التوافق ممتنع، وبالتالى فإن الإرهاب هنا يتسم بأنه مطلق ، ومن ثم فهو على الضد من الإرهاب غير الأصولى الذى هو نسبى، ومن هنا فهو يقبل التفاوض. ومعنى ذلك أنك إذا أردت أن تقضى على الإرهاب المطلق فعليك أن تحوله إلى إرهاب نسبى.
والسؤال إذن: هل هذا التحول ممكن؟
هذا التحول ممكن فى حالة إمكان تحول المطلق إلى نسبى، أى فى حالة تحول الأصولى إلى علمانى.
والسؤال إذن: هل هذا التحول ممكن؟
هذا التحول أيضاً ممكن إذا اتفقنا على أن كلا من الأصولية والعلمانيةحالة ذهنية. ومن هنا تكون مسئولية التحول هى مسئولية الفيلسوف. ولا أدل على ذلك من أن ما هو حادث الآن عبارة عن حرب تكنولوجية بين إرهابيين من جهة، وجيوش دول من جهة أخرى. والمفارقة هنا أن الإرهابيين يستعينون بالتكنولوجيا المعاصرة من انترنت وفيس بوك وبريد إلكترونى وموبايل لتغيير البنية الذهنية دون مراقبة لا من دول ولا من أحزاب من أجل خلق جيل من الانتحاريين الأصوليين الذين فى إمكانهم بعدد قليل من إحداث كوارث لا تمس الإنسان وحده بل تمس حضارة الإنسان. ومن هذه الزاوية تكون الحرب بين الإرهابيين والدول حرباً غير تقليدية.
وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول إن الفلاسفة هم الذين ينبغى أن يكونوا فى الصدارة، ولكنهم ليسوا كذلك. وبحكم خبرتى الدولية أزعم أن المنظمات الفلسفية سواء محلية أو اقليمية أو دولية مصابة بــــ «سبات دوجماطيقى» كان قد نبه إليه الفيلسوف الألمانى العظيم كانط. وكان يقصد به أن الفيلسوف قد يصاب بغيبوبة عقلية تمنعه من تغيير عاداته الذهنية التى أدمن تعاطيها ولم تعد صالحة للتغيير.
والسؤال بعد ذلك: كيف يمكن الخروج من هذا المأزق لإنقاذ حضارة الإنسان من الإرهابيين حيث التفاوض ممتنع؟
بتأسيس «تحالف كوكبى دفاعاً عن الحضارة» ضد الإرهاب الأصولى. وقد أشرت إلى ضرورة تأسيس هذا التحالف فى مقال لى بجريدة الأهرام فى 26/ 8/ 2014 تحت عنوان «دفاعاً عن الحضارة» وليس دفاعاً عن الحضارات لأن الحضارة، فى رأيى، واحدة مع تعدد الثقافات ومسارها من الفكر الأسطورى إلى الفكر العقلانى. والأصوليات فى هذا الزمان عائق أمام هذا المسار ومن ثم تكون مهمة التحالف اجتثاث جذور هذه الأصوليات.