الدكتور أحمد عمر هاشم يكتب: فريضة الحج وثمراتها
هذه العبادة يجتمع فيها المسلمون على شوق, أولئك الذين تحقق فيهم شرط الاستطاعة, وشاء الله لهم أن يحظوا بهذه العبادة فيتلاقون فى صعيد واحد, وبزى واحد فى مؤتمرهم العالمى الإسلامي, ومع شعائرهم ومناسكهم, يتدارسون كبرى قضاياهم حتى يكونوا خير أمة كما أراد ربهم سبحانه وتعالي.
وتحمل هذه العبادة بمناسكها المتعددة, معانى السلام والأمان التى يجتمع من أجلها المسلمون من كل أنحاء الدنيا, ويتدارسون كبرى قضاياهم, ويدعون إلى الوحدة والسلام, وإلى الأمان, ولها آثار فى دنياهم وأخراهم, لها آثار فى دنياهم فى مغفرة ذنوبهم, وتطهيرهم، من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه, وللحج آثاره فى سعة الرزق, فإنه ينفى الفقر, وتلك آثار دنيوية واقتصادية, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحج والعمرة, فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة, وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة.
إن هذا البيت الذى أوجب الله علينا حجه, وجعله حرما آمنا, وجعله مثابة للناس وأمنا, جعل وقته وقتا حراما, ومكانه مكانا حراما, لا يحل فيه القتل, ولا يحل فيه الترويع, ولا يحل فيه أن يخيف الإنسان شىء ما, فقد جعل الله الإنسان فيه آمنا, وجعل الطير والحيوان آمنا, فلا يحل الصيد فيه, وجعل الشجر والنبات آمنا, فحرم قطع الشجر, حتى الشوك حرم الله قطعه فى الحرم.
كل ذلك يعلمنا ويغرس فى نفوس المسلمين أن يعيشوا فى أمن وسلام فيما بينهم «وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود» البقرة ـ آية125, ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم حرم مكة وإنى حرمت المدينة ما بين لابتيها, لا يقطع عضاها, ولا يصاد صيدها.
ولقد قرر الإسلام احترام الإنسان, واحترام أمنه فى هذه الشعيرة المهمة التى حج فيها النبى صلى الله عليه وسلم حج الوداع وهو يقول للمسلمين ويبين لهم حرمة الدماء, وحرمة الأموال, وحرمة الأعراض: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم..ألا هل بلغت؟, قالوا: نعم, قال: اللهم اشهد, فليبلغ الشاهد الغائب, فرب مبلغ أوعى من سامع, فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
وإذا كانت دعوة الحج, ومناسك الحج, ومظاهر بيت الله الحرام, دعوة إلى الأمن والسلام, فلنقل لأولئك الذين حاولوا تخريب السلام, وتخويف الناس وإرهابهم, نقول لهم: إن الذين يخالفون شعائر الدين وشعيرة السلام والأمان هم خارجون عن حظيرة الإسلام, لأن من أولى تعاليم هذا الدين «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده», ومن أولى تعاليم هذا الدين «المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم», والذين يستحلون دماء الناس يخرجون من الإسلام بالمرة, ويكونون مخلدين فى النار بنص القرآن الكريم: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما( النساء: آية93), ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة.
وإذا كانت هذه العبادة تحمل هذه الدلائل, وتحمل هذه الآثار الدينية والدنيوية التى ألمحنا إلى بعضها, فإننا لابد أن ندرك أن أداء هذه العبادة التى يحصل الحاج منها على هذه الآثار, وأنه يعود كيوم ولدته أمه, إنما هو لمن أدى الحج مبرورا, أى لم يخالطه إثم, أى لم يكن فيه فسوق, ولا عصيان, ولا جدال: فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج.
فليحافظ ضيوف الرحمن على أنفسهم, وعلى أداء مشاعرهم على أكمل وجه.. على أداء الواجبات, والأركان, والسنن, وأن يكونوا إخوة متحابين, وأن ينبذوا الخلافات والأثرة والأنانية, وأن يذهبوا أصدقاء, وأن يعودوا أكثر صداقة, ولا يكون أحدهم كأولئك الذين يذهبون أصدقاء ويعودون فى خصومات فيما بينهم, لابد من الاحتمال فى هذه الرحلة التى يخالف الإنسان فيها إلفه, وعادته, ووطنه, وأولاده, فإنه إن أدى الحج على هذا النحو, كان حجه مبرورا, قال صلى الله عليه وسلم: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما, والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.