أيقونات الصحافة النسائية .. كتاب عن المراسلات العسكريات في الحرب العالمية الثانية
– إحداهن أخفت عن ابنها حقيقة كونها مصورة صحفية.. وأخرى أقدمت على الانتحار بعد أن تركت رسالة بأن الحرب «مزقتها من الداخل»
ـ شكاوى عديدة من بعض القراء لا يريدون أن تأتى أخبار الحرب من سيدات
نقلت صحيفة «النيويورك تايمز» مراجعة نقدية عن الكتاب الجديد الصادر «المراسلات.. ست كاتبات على الخطوط الأمامية فى الحرب العالمية الثانية»، بقلم الكاتبة والناقدة جوديث ماكريل، الذى يروى التحديات والمخاطر التى واجهتها الصحفيات من أجل تغطية أخبار الحرب العالمية الثانية؛ حيث كان يتعين عليهن أولًا أن يخضن معركة مع رؤساء التحرير حتى يُسمح لهن بتغطية أخبار الحرب، وبعد منعهن من دخول مناطق القتال، كان عليهن الانتقال إلى الخطوط الأمامية، كما كافحن من أجل الحصول على مهام من المحررين الذين كانوا يتعرضون بدورهم لضغوط بسبب وصول شكاوى من بعض القراء الذين لا يريدون أن تأتى الأخبار من مراسلات سيدات، ويفضلون أن يقوم الذكور بتغطية كل الأخبار من أجل مصداقية أعلى.
وقد طال الفكر المجتمعى السائد حين ذاك المٌحرِّض للسيدات على البقاء بالمنزل حتى العقول المستنيرة؛ فقد أرسل الكاتب الشهير إرنست همنجواى برقية غاضبة إلى زوجته الصحفية، مارثا جيلهورن، يستنكر فيها تركها المنزل لتغطية أخبار الحرب؛ حيث قال: «هل أنت مراسلة حرب أم زوجة فى بيتي؟»
وتروى الكاتبة الكيفية التى استطاعت بها زوجة «هيمنجواى» التسلل ببراعة للأراضى الأمريكية من أجل الحصول على السبق الصحفى؛ فحين ذهب زوجها مع مجموعة من المراسلين الذكور الآخرين على متن طائرات متجهة إلى نورماندى من أجل عملية «أوفرلورد» التى كانت تهدف لغزو شمال غرب أوروبا فى الحرب العالمية الثانية من قِبَل قوات الحلفاء (أو ما يُعرف بـ DــDay)، تسللت هى إلى أحد الموانئ الإنجليزية، وأقنعت شرطيًا هناك أنها حصلت على إذن لمقابلة الممرضات الأمريكيات على متن السفينة التى تقل الطاقم الطبى والتمريض، وبمجرد صعودها على متن السفينة، حبست نفسها فى حمام فارغ وانتظرت رسو السفينة فى ميناء أوماها، وقد صُعِقت عندما وجدت أن الشاطئ تحول إلى مذبحة. وجاءت تقاريرها الصحفية التى قدمتها عن نقل الجثث ذهابًا وإيابًا من بين أفضل التقارير التى كتبتها على الإطلاق فى مجلة «كوليرز».
وقالت «ماكريل» إن العقبات التى واجهتها النساء مثل «جيلهورن» جعلتهن أكثر ذكاءً ودفعتهن إلى تقصّى الأخبار التى غفل عنها زملاؤهن الذكور، واستطاعوا التفوق عليهم فى بعض الحالات.
وبالحديث عن أيقونات الصحافة الذهبية فى هذا العصر، تحدثت مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» عن مقابلتها للمراسلة الأجنبية، كلير هولينجورث التى كانت أول من أبلغ عن الغزو الألمانى لبولندا، وقد ساهمت مساهمات عظيمة فى تغطية أخبار الحرب؛ حيث استطاعت تحدى القائد البريطانى فيلد مارشال برنارد مونتجمرى ذاته والوصول إلى طرابلس لا تحمل فى حقيبتها سوى فرشة أسنان وآلة كاتبة، وقد تعجبت من انحسار الاضواء عن تلك الصحفية اللامعة التى برغم تاريخها المشرف، إلا أنها لم تستطع حتى الحصول على وظيفة مكتبية فى عالم الصحافة.
كما تحدثت عن زيارتها لإحدى المزارع شرق ساسكس والتى كانت موطنًا لعارضة الأزياء، لى ميلر، التى تحولت إلى مصورة صحفية قامت بتغطية أخبار الحرب لصالح مجلة «فوج»، وذكرت كيف أن منزلها كان مكتظًا بلوحات نادرة بشكل لا يصدق (بما فى ذلك بلاط المطبخ الذى رسمه بيكاسو)، وقد فوجئت عندما علمت من ابنها أنتونى بنروز أنه لم يكن لديه أى فكرة عن حياة والدته السابقة إلا بعد وفاتها، عندما وجد 60.000 مطبوعة نيجاتيف صور مخبأة فى صناديق فى علية منزلهم.
ويضم كتاب «ماكريل» قصص ست من بين أفضل المراسلات اللاتى قمن بتغطية الحرب ومن بينهم ــ ليس فقط «جيلهورن« و«ميلر» و«هولينجورث» ولكن أيضًا هيلين كيركباتريك، التى أصبحت واحدة من أوائل مديرات مكاتب إحدى الصحف الأمريكية بعد حصولها على لقاء حصرى مع دوق وندسور وواليس سيمبسون، مما شجعها على التصدى لمحررها فى صحيفة «شيكاغو ديلى نيوز» من أجل ترقيتها قائلة: «يمكنك تغيير سياستك فى العمل ولكن لا يمكننى تغيير جنسى».
وتحدثت الكاتبة أيضًا عن فيرجينيا كاولز، التى قامت بتغطية أخبار الحرب الأهلية الإسبانية بعد أن كونت دائرة صغيرة من الصحفيين والمصورين الصحفيين، والمراسلة سيجريد شولتز، التى تتحدث خمس لغات بطلاقة، والتى تحملت المراقبة والتهديدات بالقتل لتغطية انحدار ألمانيا نحو الفاشية لصالح صحيفة «شيكاغو تريبيون» بعد أن ادّعت أنها يهودية لتتمكن من الاندساس بعمق بين أيقونات السلطة فى ألمانيا.
حتى عندما دخل الأمريكيون الحرب وسمح الجنرال أيزنهاور للصحفيين بوصول متساوٍ إلى المصادر العسكرية، كانت النساء لا تزال تكافح من أجل الوصول إلى تلك المصادر، وقد سمحت الحكومة الفيدرالية فى نهاية المطاف لعدد قليل من الصحفيات بارتداء زى موحد يحمل تعريف «مراسلة حرب» مُخيط على جيب السترة الأيسر من اجل انضمامهم لمجموعة المراسلين الصحفيين.
ولم تغفل «ماكريل» فى الحديث فى كتابها عن الآثار المدمرة التى لحقت بالنساء من جرّاء انخراطهن بهذا العمل؛ فقد عانت
«جيلهورن» من الاكتئاب وأقدمت على الانتحار فى سن 89، بعد تشخيص إصابتها بالسرطان، وقد قالت فى حياتها إن تغطية أخبار الحرب تركتها «ممزقة من الداخل» بسبب تعاملها اليومى مع أكوام الجثث المكدسة والأسرى فى معسكرات الاعتقال، كما جاء صمت «ميلر» أمام ابنها واخفاؤها ماضيها فى تصوير الحرب شاهدًا على الندوب التى خلفتها الحرب على نفسيتها.
نقلا عن موقع الشروق