عن جرائم الخطف وإثباتها.. علاقة عقوبة المتهم بسن المجنى عليه
تعتبر جرائم الخطف المقررة في قانون العقوبات من الجرائم التي يستهدف القانون من تقريرها طبقا لمذهب النقض إما حماية حق الطفل في النسب لوالديه عملا بالمادة 283 أو حماية سلطة العائلة عملا بالمادة 289 أو حماية الطفل أو الأنثى من عبث الخاطف طبقا للمادة 290 وهو مذهب يؤيدها فيه جانب من الفقه.
ولقد نصت المادة 283 عقوبات على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 سنوات كل من خطف طفلا حديث العهد بالولادة أو أخفاه أو أبدله بآخر أو عزاه زورا إلى غير أي من والديه، فيما نصت المادة 289 على أن: كل من خطف من غير تحايل ولا إكراه طفلا يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 10 سنوات، فإذا كان الخطف مصحوبا بطلب فدية فتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد على 20 سنة.
إشكاليات ارتباط العقوبة بسن المجني عليه
ويحكم على فاعل جناية الخطف بالإعدام أو السجن المؤبد إذا اقترنت بها جريمة مواقعة المخطوف أوهتك عرضه، فيما نصت المادة 290 على أن: “كل من خطف بالتحليل أو الإكراه شخصا يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 10 سنين، فإذا كان الخطف مصحوبا بطلب فدية تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد على 20 سنة، أما إذا كان المخطوف طفلا أو أنثى فتكون العقوبة السجن المؤبد، ويحكم على فاعل جناية الخطف بالإعدام إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوف أو هتك عرضه.
في التقرير التالى، تلقى منصة بلاحدود الضوء على جرائم الخطف وإثباتها في ضوء قضاء النقض، باعتبار أن الخطف في كل الأحوال جريمة طالما وقع على إنسان سواء كان طفل حديث عهد بالولادة أو لم يتجاوز سنه 18 سنه ميلادية أو أنثى تجاوزت هذا السن وسواء حصل بتحايل أو إكراه من عدمه مع المغايرة في العقوبة إذا كان المخطوف طفل أو أنثى أو عند الخطف بالتحايل أو الإكراه أو إذا كان الخطف مصحوب بطلب فدية مع تشديد العقاب إذا كان المخطوف طفلا أو أنثى واقترن الخطف باغتصاب أو هتك عرض.
3 صور لجريمة هتك العرض
في البداية – تقوم جريمة الخطف في صور عديدة الأولى؛ نصت عليها المادة 283 عقوبات وتتعلق بخطف الطفل حديث العهد بالولادة، وذلك في تقريرها عقوبة السجن لمدة لا تقل عن 7 سنوات عن فعل من خطف طفلا حديث العهد بالولادة أو إخفاءه أو إبداله بآخر أو عزاه زورا إلى غير والديه – والحالة الثانية – نصت عليها المادة 289 وتتعلق بخطف الطفل ذكر أو أنثى دون تحايل أو إكراه – والثالثة – نصت عليها المادة 290 وتتعلق بخطف أي شخص ذكرا أو أنثى طفلا أم بالغا إذ وقع الخطف بتحايل أو إكراه مع تشديد العقوبة إذا كان المخطوف طفلا أو أنثى.
ويتضح من جملة نصوص الخطف أن كون المجني عليه طفلا ظرف مشدد، ومن ثم فإن سن المجني عليه المخطوف يلعب دورا هاما في تحديد طبيعة الجريمة وعقوبة الخطف ذلك أن الطفل الذكر الذي بلغ 18 عاما ميلادية لا يصلح محلا لجريمة الخطف إلا إذا حصل الخطف بتحايل أو اكراه إذ في غير ذلك ما يقع عليه من تقييد حرية يسمى قبض أو احتجاز أو حبس طبقا للمادة 280 عقوبات، وبالتالي أن هتك الجاني عرضه لا ينطبق الظرف المشدد فلا توقع عقوبة الإعدام، إنما يتحقق الارتباط الذي لا يقبل التجزئة بين القبض بدون وجه حق وهتك العرض وتطبق عقوبة الجريمة الأشد، والأصل أن القاضي لا يلجأ في تقدير السن إلى أهل الخبرة أو إلى ما يراه بنفسه إلا إذا كانت هذه السن غير محقق بأوراق رسمية، ومن ثم فإن إطلاق القول بأن المجنى عليه لم يبلغ 18 سنة كاملة وقت وقوع جريمة الخطف دون أن يبين تاريخ ميلاده والأساس الى استند إليه في تحديد سنه يعد قصور.
سن المجني عليه المخطوف يلعب دورا هاما في تحديد طبيعة الجريمة وعقوبة الخطف
ويختلف الطفل بالمعنى السابق عن الطفل حديث العهد بالولادة، فالأخير يقصد به الطفل المولود منذ بضعة ساعات أو بضعة أيام على الأكثر أي الطفل الذي لم تثبت بعد حالة نسبه، إذ علة الحماية الضرب على الأفعال التي يكون من نتيجتها تغيير أو إعدام نسب الطفل، فإذا كان الطفل المخطوف قد بلغ من العمر “شهرا” مثلا وقيد اسمه في دفتر المواليد فإن خطفه لا يقع تحت حكم المادة 283 وإنما تحت حكم المادة 289 أو 290 على حسب الأحوال وتقوم الجريمة المنصوص عليها بالمادة 283 أما بخطف الطفل المولود أو أخفاه أو أبدله بآخر أو نسبه زورا إلى غير أي من والديه، ويلاحظ أن قانون الطفل قرر زيادة الحد الأدنى للعقوبة المقررة للجريمة بمقدار المثل حال وقوعها من بالغ على طفل وهو أمر يمكن أن يثير تساؤل حول مدى انطباق الظرف المشدد عند وقوع الخطف على طفل حديث عهد بالولادة.
ويقصد بالخطف بوجه عام صدور فعل مادي من الجاني هو انتزاع المخطوف بأي وسيلة من أيدي ذويه الذين لهم حق رعايته وقطع صلته بهم بإبعاده من المكان الذي خطف منه، ويتحقق ذلك بنقل المجني عليه إلى محل آخر وإخفائه، تحقيقا لانتزاع المخطوف من بيته وقطع صلته بأهله وذويه سواء كان الجاني هو الذي قام بنفسه بانتزاع المجني عليه وإخراجه من بيئته أو إخفائه بعيدا عن أيدي ذويه أو من خلال شريكه، إذ سوي المشرع في الخطف بين الفاعل والشريك فيها أي يلزم طبقا لفهم النقض نقل المجني عليه إلى مكان آخر بل واحتجازه فيه، ولا يشترط أن تحدث واقعة الخطف في مكان إقامة المخطوف بل يستوي أن يكون ذلك في مدرسة أو في مكان أحد الأصدقاء أو في الطريق العام أو في أي مكان آخر مادام الخطف قد أدى إلى انتزاع المخطوف من بيته وقطع صلته بأهله والمراد بالأهل، هنا هو المحيط الذي ينتمي آلية أو يعيش فيه سواء أقاربه أو أصدقاءه أو زملاءه أو من يعيش معهم، ويترتب على ذلك أن الخطف لا يتحقق إذا كان المجني عليه بإرادته قد أفلت من نطاق أسرته التي يعيش في كنفها فتلقفه الجاني وأواه في منزله على أنه إذا كان المجني عليه دون السابعة من عمره فلا يعتد بإرادته ويعد الشخص الذي تلقفه وإخفائه عن أهله خاطفا له.
لماذا محكمة النقض تميل إلى التشدد تارة والتخفيف تارة أخرى بالنسبة لخطف الأنثى؟
ولكن محكمة النقض تميل إلى التشدد تارة والتخفيف تارة أخرى بالنسبة لخطف الأنثى، ومظهر التخفيف أنها تكتفي بمجرد انتزاع الأنثى من المكان الذي توجد فيه بغير إرادتها وأبعادها عنه سواء تم نقلها واحتجازها فيه من عدمه بشرط أن يتوافر لدى الجاني نية العبث بها – وعلى أي حال يستوي في نظر القانون أن يكون الجاني قد ارتكب فعل الخطف في الخفاء أو على مرأى من الناس، ويستوي أن يكون قد أودع المخطوف عند أشخاص معلومة أو غير معلومة، كما يستوي في نظر القانون الغرض الذي من أجله تم خطف المجني عليه.
ويقصد بالتحايل أفعال الغش والتدليس التي من شأنها خداع المجني عليه والتغرير به، أما الإكراه فيقصد به كل فعل يعدم إرادة المجني عليه سواء أكان ماديا كالعنف أو معنويا كدس المخدر للمجني عليه في الشراب أو الطعام، وصغر سن المجني عليه وحالته الصحية والذهنية هي من الأمور التي يسوغ لقاضي الموضوع أن يستنبط منها خضوع المجني عليه لتأثير التخيل أو الإكراه في جريمة الخطف، وتقدير توافر ركن الإكراه في جريمة الخطف أو الشروع فيه من الأمور الموضوعية، كما لا يلزم في الإكراه حدوث إصابات ومن ثم لا مصلحة للمتهم من النعي على الحكم عدم استظهار إصابات المجني عليها، وترى محكمة النقض أنه يكفي لتحقق الإكراه في الخطف أن يرتكب الفعل بغير رضاء المجني عليه.
هل الوساطة في رد المخطوف لأهليته تعد قرينه على الخطف؟.. النقض تجيب
ويخضع إثبات جرائم الخطف لقاعدة حرية القاضي الجنائي في الإثبات، فله أن يأخذ بأي دليل ترتاح إليه نفسه ويأنس له وجدانه إذ لم يلزم القانون القاضي بوسيلة محددة في إثبات الخطف إلا أن ذلك مشروط بأن يؤدي الدليل إلى ما رتبه عليه الحكم دون تعسف في الاستنتاج أو تنافر في حكم العقل والمنطق، ويحدث عملا أن يتوسط شخص بين أهلية المجني عليه والجناة في إعادة المخطوف لقاء فدية، فهل تلك الوساطة تعد قرينه على الخطف؟.. لا ترى محكمة النقض وبحق ذلك، ومن ثم فإن إدانة المتهمين بجريمتي خطف طفل ذكر لم يبلغ 12 سنة بغير تحايل ولا إكراه والشروع في الحصول على مبلغ من النقود بالتهديد من واقع التفاوض على تقاضي مبلغ الفدية هو لاحق على جريمة الخطف ومنفصل عنها، وبالتالي عدم جواز اعتباره دليلا على توافر القصد الجنائي، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 1251 لسنة 52 قضائية.
هذا وقد نص قانون العقوبات الفرنسي 1994 على أن تكون عقوبة الخطف 20 سنة ما يوازي السجن المشدد، ورفع العقوبة الي 30 عاما إذا اصيب المجني عليه بعاهة أو عجز دائم سواء وقع ذلك عمدا أو بسبب ظروف الحبس أو بسبب حرمان المخطوف من الغذاء أو الرعاية “المادة 224-2” وأورد هذا القانون ظرفا مخففا هو تحرير المخطوف بإرادة الخاطف قبل مضى 7 أيام على خطفه ففي هذه الحالة تكون العقوبة الحبس لمدة 5 سنوات وغرامة تبلغ 75 ألف يورو.
يشار إلى أن الأجهزة الأمنية نجحت مساء أمس، فى العثور على الطفل زياد البحيري، الذي اختطف على يد ملثمين من محل تجاري بطريق الدائري المحلة الكبرى – المنصورة، حيث عثر على الطفل موثق الأيدي ومكمم داخل مخزن وسط القرية، وذلك بعد أن احتلت واقعة طفل المحلة المختطف محركات البحث وانتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لعملية اختطاف الطفل، وكشفت عودة الطفل عن تفاصيل مثيرة عن سبب الخطف ودور كاميرات المراقبة في تتبع الخاطفين، ومقطع فيديو يبين لحظة تحرير الطفل وهتاف الأهالي للشرطة.