رحلة عامرة بالكفاح والتحدى والبحث عن تلقى العلم داخل وخارج مصر قضتها توحيدة عبد الرحمن خلال سنوات عمرها، حتى وصلت بأن تكون أول طبية مصرية يتم توظيفها فى الحكومة المصرية سنه 1933، بعد أن رفضت أن تكتسب الجنسية البريطانية، لترد بأنها معتزة بأنها مصرية، وتبحث عن أى طريقة لرد الجميل لبلدها مصر والمصريون.
وقال محمد محمود عبد اللطيف، نجل أول طبيبة توظف فى الحكومة المصرية: “قصة حياة والدتى بدأت سنة 1906 عند ولادتها، وكان والدها يسكن فى حى الدرب الأحمر فى بيت يملكه بجوار مسجد السيدة فاطمة النبوية، ويحب العلم، واشتهر بجمال خطه، فنسخ المصحف الشريف 18 مرة بالرسم العثمانى، ومرة بالرسم المغربى، ثم قرر أن يشترى مطبعة على نفقته لطباعة المصحف وتيسير انتشاره”.
وتابع نجل أول طبيبة مصرية توظف فى الحكومة المصرية: “التحقت والدتى مدرسة السنية للبنات، وكانت خلال دراستها متفوقة وأحبت اللغة الانجليزية، ورشحتها مس كارتر، ناظرة المدرسة السنية، لدخول المسابقة التى أعلنت عنها الحكومة المصرية والملك فؤاد لاختيار ست طالبات متفوقات لإرسالهن فى بعثة إلى بريطانيا لدراسة الطب، وكانت توحيدة من بين الفائزات الست بالبعثة، ورفضت الزواج فى ذلك العمر بعد أن قدم إلى خطبتها أحد أبناء زملائه بالعمل، لتختار العلم بدلا من الزواج”.
وتابع: “عندما جاء وقت السفر سافر والداها برفقتها إلى بورسعيد لالتحاق بالسفينة لإكمال لرحلتها إلى بريطانيا والتى تستغرق 17 يوم، وكانت تضع على وجهها الغلالة البيضاء – اليشمك – «الزى المميز للمصريات فى ذلك الزمان»، فطلب منها أن تخلعه، اليشمك وترتدى الملابس على الطريقة الأوروبية حتى لا تبدو شاذة فى المجتمع الإنجليزى، ولا يعاملونها باستهانة وبنظرة دونية، وسافرت بالفعل فى عام 1922 للدراسة وعمرها 16 عامًا وبدأت رحلة العلم والمعرفة وأثبتت تفوقها فى دراستها، ولم يعترض والدها على بقائها فى الخارج لعشر سنين، بل شجعها “.
وأكمل:” عادت فى عام 1932، وكان ذلك حدثا فى وقتها اهتمت به الصحافة المصرية، فنشرت مجلة -اللطائف المصورة- فى 6 أغسطس 1932 الخبر بانه «وردت الأنباء التلغرافية بأن الآنسة توحيدة عبد الرحمن اجتازت امتحان الدكتوراه فى الطب من إنجلترا وفازت بهذه الشهادة العالية، وبذلك أصبحت ثانى آنسة مصرية تحوزها بعد هيلانا سيداروس، زميلتها فى البعثة، والتى عادت قبلها بأسابيع، وأصرت والدتى على الاهتمام بالعمل فى المستشفيات الحكومية لخدمة مصر وشعبها كأول طبيبه تعمل فى الحكومة المصرية، وبالفعل تم تعيينها بعد عودتها بأيام فى مستشفى كتشنر الخيرى -المستشفى العام بشبرا-، ورفضت فور وصولها لأرض الوطن عيادة طبية مجهزة فى شارع عدلى بوسط البلد كهدية من والداها لتبدءا حياتها العملية حتى تعمل فى الحكومة من أجل رد الجميل لمصر” وبالفعل قامت بتدريب الأطباء والطبيبات على أخر مستجدات الطب الحديث فى العلم.
وأكمل: “عملت فى وزارة المعارف، وكان على رأس الوزارة السنهورى باشا، والذى طلب لها لقب هانم، وعندما وصلها الخبر قبلته ولكنها أصرت أن لا يكتب خطاب أو معاملة رسمية أو خاصة إلا ويسبقه لقب الدكتورة، وتدرجت فى المناصب الحكومية، ووصلت لكبيرة طبيبات وزارة المعارف، ومديرة الصحة المدرسية، وأصرت أن يأخذ جميع الأطفال التغذية الأساسية، فكانت الوجبات المدرسية خلال عملها شيء أساسى، لدرجة أن وصلت إلى تمنح الأطفال الوجبات ليأخذوها مهم إلى المنزل “.
وتابع نجل أول طبيبة مصرية توظف فى الحكومة المصرية:” فى عام 1932 تزوجت بوالدى، بعد أن تقدم لها حتى يخطبها وعند سؤالها وقتها رفضت وقالت أنها لا تفكر فى الزواج بسبب انشغالها فى عملها، وعندما رأته قبلته من النظرة الأولى وذلك لان كلامه كان يدل على ذكائه وتفهمه لكفاحها- وفقا لما سردته لنجلها-، وقام والدى للسفر إلى انجلترا فى كل الأماكن التى مكثت بها والدتى بانجلترا حتى يعلم كل تفاصيل حياتها ولا يكون بينهم أى حاجز، وأنجبا 7 من الأبناء وهم هدى، سميحة وصافيناز ومحمود وأميمة وفؤاد وأنا أصغرهم سنًا والجميع حصلوا على المؤهلات العليا وكانت تتميز حياتهم الأسرية بالاحترام المتبادل بين الجميع، واستقالت عام 1952 لكى تتفرغ لأسرتها وأبنائها، ورحلت فى 10 سبتمبر 1974″.
وأضاف: “والدى المستشار محمود محمد عبد اللطيف كان أصغر وكيل نيابة فى مصر، ونظر قضايا كثيرة شغلت الرأى العام منها قضية البطريرك، وقضية المشتل فى الإسكندرية، الجاسوسية الكبرى، وكان عضوا فى محاكمة التى تسمى السيارة الجيب، وقضايا الإخوان المسلمين، وتدرج فى المناصب حتى وصل لرئيس محكمة استئناف القاهرة بدرجة الوزير”.