ما حكم إفطار الحامل والمرضع في رمضان لظروف الوباء؟.. دار الإفتاء تجيب
هل يجوز للحامل أو المرضع الفطر في شهر رمضان في ظروف هذا الوباء خوفًا من الإصابة بالعدوى؟
الجواب : الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
الأصل في الحامل والمرضع وجوب الصيام على كلٍّ منهما ما دامتا مسلمتين عاقلتين غيرَ مسافرتين، وما دامتا لا يلحقُهُما ولا طفلَهما ضررٌ من الصيام، وهذا يُعرَف مِن قِبل المتخصصين، فإن لحقهما أو طفلهما ضررٌ دَخَلَا بذلك في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184].
فإن كان الضرر يلحق الحامل أو المرضع من الصيام أو يلحقهما مع طفلَيْهما جاز لهما الفطر، وعليهما القضاء باتفاق المذاهب المتبوعة، خلافًا لابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما اللذَيْن ألحقاهما بمن لا يُرجَى زوال مرضهم، فلم يوجبا عليهما قضاءً وأوجبا الكفارة وحدها؛ نظرًا لتكرر الحمل والرضاع.
وإن كان الضرر يلحق طفلَهما دونَهما، فمِنَ العلماء مَنْ أوجب عليهما القضاء دون الكفارة، وهم الحنفية، وعليه الفتوى، أما عند غير الحنفية فيجب عليهما القضاء والكفارة.
ومن العلماء من لم يوجب الكفارة إلا على المرضع وحدها، وهو قول الليث، ورواية عن مالك.
قال الإمام السرخسي الحنفي في “المبسوط” (3/ 99-100، ط. دار المعرفة، بيروت):
[وإذا خافت الحامل أو المرضع على نفسها أو ولدها أفطرت؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ المُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ وَالصَّومَ، وَعَنْ الحَامِلِ وَالمُرْضِعِ الصَّومَ»، ولأنه يلحقها الحرج في نفسها أو ولدها، والحرج عذر في الفطر كالمريض والمسافر، وعليها القضاء، ولا كفارة عليها؛ لأنها ليست بجانية في الفطر ولا فدية عليها عندنا.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: إن خافت على نفسها فكذلك، وإن خافت على ولدها فعليها الفدية. ومذهبه مرويٌّ عن ابن عمر رضي الله عنهما، ومذهبنا مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم، إلا أن المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما الفدية دون القضاء، والجمع بينهما لم يشتهر عن أحد من الصحابة.. ولنا أن هذا مفطر يرجى له القضاء، فلا يلزمه الفداء كالمريض والمسافر، وهذا لأن الفدية مشروعة خَلَفًا عن الصوم، والجمع بين الخَلَف والأصل لا يكون، وهو خلف غير معقول، بل هو ثابت بالنص في حق من لا يطيق الصوم، فلا يجوز في حق من يطيق الصوم، ولا يجوز أن يجب باعتبار الولد؛ لأنه لا صوم على الولد، فكيف يجب ما هو خلف عنه، ولأنه لا يجب في مال الولد، ولو كان باعتباره لوجب في ماله كنفقته، ولتضاعف بتعدد الولد] اهـ.
وعليه: فإن خافت الحامل أو المرضع على نفسها فلها الإفطار، وليس عليها إلا القضاء وحده، سواء خافت مع ذلك على طفلها أم لم تخف.
وإن خافت على طفلها ولم يكن عليها هي من الصوم ضرر أفطرت، ووجب عليها القضاء أيضًا دون كفارة كما هو قول الحنفية وعليه الفتوى، واستُحبَّ لها أداءُ الكفارة إن استطاعت؛ خروجًا من خلاف من أوجبها.
فإن تكرر حملها ورضاعُها وزادت أيامُ قضائِها فلْتَقْضِ ما تستطيع حال استرداد صحتها وقوتها، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور، فإن زاد ذلك على طاقتها وضعفت مع ذلك قوتُها، ولم تَعُدْ قادرةً على القضاء التحقت بحكم من لا يُرجَى زوال مرضه، وصار عليها الكفارة وحدها.
على أن للحامل والمرضع في فطرِها ثوابَ صيامها، وفي راحتها أجر قيامها؛ لأنها معذورة مجبورة لو استطاعت الصيام صامت أو القيام قامت، فأكرم بها مِن مفطرٍ صائم، ونائمٍ قائم، قد جعلها الله للحياة منبَعًا، وللرحمة مستودَعًا، وللحنان موضِعًا، وأقامها في مهمة جليلة القدر عظيمة الشأن تنال بها جزيل الثواب وكريم الإحسان.
وبناءً على ذلك: فللحامل والمرضع الإفطار إن خافتا على نفسيهما أو على ولديهما، بل يجب عليهما ذلك إذا اشتدَّت المخافة وغلب ظن الضرر، وليس عليهما إلا القضاء وحده؛ سواء خافتا مع ذلك على طفليهما أم لم تخافا كما هو قول الحنفية وعليه الفتوى، ويستَحَبُّ لهما إخراجُ الكفارة إن استطاعتا؛ خروجًا من خلاف من أوجبها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
المصدر: دار الإفتاء المصرية