ياسر حسني يكتب عن: اغتيال لغة!
فى الماضى غير البعيد، انضمت مواقع التواصل الاجتماعى «وعلى رأسها الفيس بوك» إلى قائمة المتهمين بـ «اغتيال اللغة العربية»، وسارعت منصات السوشيال ميديا، لتدعم بعضها البعض فى حربها ضد لغتنا الجميلة!..
ولكن هل نجح هؤلاء المتهمون فى جريمتهم؟..
ومن تضم قائمة المتهمين لتلك الجريمة؟
لنبدأ بإجابة السؤال الثانى أولًا، ونتحدث عن بقية المتهمين، إنهم: أنا.. وأنت.. أبى وأمى.. أباك وأمك.. مُدرسي ومُدرسك.. مدرستي ومدرستك.. بمعنى أشمل.. المجتمع بأكمله شريك فى تلك «الجريمة النكراء».
فرغبة الأسرة فى توفير «وجاهة اجتماعية» لها ولأبنائها، دفعتها إلى الحرص على تعليمهم اللغات الأجنبية، حتى يتفاخر كل أب وكل أم بأن نجلهم يجيد اللغات الأجنبية..
وهكذا أصبحت اللغة الأجنبية «موضة» مثل الملابس الغربية التى بدأت تنتشر بين الشباب والفتيات، من باب «التفاخر والتباهي» أيضًا.
يضاف إلى ذلك أن غالبية الأنشطة الاقتصادية فى مجتمعاتنا العربية صارت «عابرة للقارات»، فشركات الهواتف المحمول «أجنبية»، وكذلك المطاعم الفاخرة، حتى محلات الملابس والأدوات والأجهزة المنزلية «أجنبية».
وهذا أجبر الإدارة المحلية «الوطنية» لفروع تلك الشركات إلى تنفيذ «تعليمات» القيادات الإدارية العليا، بضرورة إجادة الموظفين بها للغات الأجنبية، وبالتالى أصبحت تلك اللغات من بين مؤهلات التعيين بالوظائف فى القطاع الخاص.
وأخيرا هناك محاولة الشباب والمراهقين العرب للهروب من الرقابة الأسرية فى معرفة ما يكتبونه على مواقع التواصل الاجتماعى، فابتكروا شفرة سرية خاصة بهم هى استخدام الحروف اللاتينية (مثل الإنجليزية والفرنسية) فى كتابة اللغة العربية، فيما يعرف باسم (الفرانكو أراب)، وذلك ليجد من يحاول التلصص عليهم من آبائهم وأمهاتهم صعوبة فى ترجمة هذه الكلمات وقراءتها.
وهكذا.. سقطت اللغة العربية «فريسة وضحية» لمؤامرة مقصودة وأخطاء وخطايا غير مقصودة ارتكبناها جميعا، ودفعت لغتنا الجميلة ثمنها، وسندفع نحن أيضا الثمن ولكن بالتدريج البطئ.
والفقرة السابقة تجيب عن السؤال الأول، هل نجحت جريمة اغتيال اللغة العربية؟..
للأسف.. أوشكت الجريمة أن تنجح.. وتضيع اللغة العربية لولا حفظ الله لها.. وبقية من أمل أن يستيقظ أبناؤها يومًا ما ويُوقفون تلك المهزلة!..
فضلًا عن محاولات محدودة للأسف، رغم أنها جادة جدًا، لبعض الهيئات العلمية واللغوية والأكاديمية لحماية اللغة العربية من الانهيار.
بالإضافة إلى تلك الدعوة السنوية التي تطلقها الأمم المتحدة لتكريم اللغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام فيما يعرف بـ «اليوم العالمي للغة العربية»، وما يصاحبه من فعاليات رسمية ومجتمعية لإحياء الهوية العربية والحفاظ على لغة القرآن..
ولكن بعد أيام قليلة من تلك الصحوة السنوية.. تهدأ الدعوات ثم تتلاشى.. ويعود الشباب لتبادل التهنئة بالعام الجديد بكلمات «فرانكو آراب»..
و.. «تعود ريما لعادتها القديمة»، كما يقولون!!
رحم الله أطفال الوطن العربي.. وثبّتهم على لغتهم وانتمائهم لهذا الوطن العظيم وللغته الخالدة.