مساحة للاختلاف

الدكتور وسيم السيسي : المادة الضد

كانت أمسية جميلة فى شرفة تطل على النيل عند أحد ‏الأصدقاء.. جمعتنا الحضارة‎.. ‎وقاربت بيننا الليبرالية.. ‏أصبحت الحياة نسمة، والكلمة همسة، والكون أنفاساً! جاءنا‎ ‎صوت عبدالوهاب من بعيد، أغنيته: «جفنه علم الغزل.. ‏ومن العلم ما قتل» شعر الأخطل‎ ‎الصغير أو بشارة ‏الخورى…، فاقترح مضيفنا أن نسمع هذه القصيدة ‏الرائعة… ويعلق كل‎ ‎منا على هذه الأغنية من زمن الغناء ‏الجميل‎!‎

قال واحد منا: لو كنت الأخطل الصغير.. لقلت: ومن ‏العشق ما قتل.. فأنا أذكر قول‎ ‎مجنون ليلى: أنا من قوم إذا ‏عشقنا متنا! ذلك لأن قبيلة بنى عذرة مشهورة بهذا العشق‏‎ ‎المميت‎!‎

قال آخر: كيف يشكو من الظمأ من له هذه العيون؟ هذا ‏صحيح.. خصوصاً كالعيون التى‎ ‎حدثنا عنها أمير الشعراء‎:‎

مقادير من جفنيها حولن حالياً‎ ‎

فذقت الهوى من بعد أن كنت خالياً‎!‎

وجاء دورى فقلت: أما أنا فهذه الأغنية تدعو إلى ذهنى عالم ‏الرياضة الطبيعى بول‎ ‎ديرك الإنجليزى الحاصل على جائزة ‏نوبل لاكتشافه المادة الضد أو‎ Antimatter ‎سألونى‎: ‎ما ‏العلاقة بين ديرك وعبدالوهاب؟! قلت: بول ديرك درس ‏الطبيعة النظرية فى سان جورج‎ ‎كولج فى كمبردج على ‏يدى عالم اسمه‎ Fowler ‎ثم عمل مع بوهر أبو الذرة، حتى ‏أصبح‎ ‎أستاذاً، وجلس على الكرسى الذى جلس عليه إسحق ‏نيوتن، وفى سنة 1958 أصدر كتابه‏‎ ‎الخطير: ميكانيكا الكم‎ ‎Quantum Mechaics

اكتشف ديرك أن هناك جسيماً (جسماً صغيراً) نفس كتلة ‏الإلكترون، ولكنه يحمل شحنة‎ ‎موجبة، وليست سالبة، كما ‏أنه يدور فى اتجاه معاكس لدوران الإلكترون، فسماه‎ ‎بوزيترونPositron ‎أكد هذه النظرية العالم كارل ديفيد ‏أندروسون حين صور هذه‎ ‎البوزيترونات وهى تدور فى ‏اتجاه معاكس للإلكترونات داخل غرف سحابية‎ Cloud ‎Chambers!‎

جاء ديرك وكما زاوج بين نظرية الكم لصاحبها ماكس ‏بلانك، والنظرية النسبية الخاصة‎ ‎لألبرت أينشتين.. وخرج ‏بجنين «المادة الضد» أعنى البوزيترون.. كذلك قام مرة ‏ثانية‎ ‎بعمله كمأذون على الطبيعة.. فزاوج بين الإلكترونات ‏والبوزيترونات، فاشتعلت‎ ‎النيران.. وتلاشى الاثنان فى طاقة ‏اسمها جاما‎ Gama Rays!‎

أليست هذه.. ما يتغنى به عبدالوهاب‎:‎

يا حبيبى أكلما ضمنا للهوى مكان.. أشعلوا النار حولنا ‏فغدونا لها دخان؟‎!‎

ولو كانت هذه الجسيمات السالبة والموجبة تغنى لقالت‎:‎

فحرقنا نفوسنا فى جحيم من القبل‎!‎

سألنى الأصدقاء: ماذا حدث بعد ذلك؟‎!‎

قلت: أمسك العالم أنفاسه..! اكتشفنا أن الطاقة ليست صورة ‏من صور المادة، بل‎ ‎المادة صورة من صور الطاقة‎!‎

Extreme Field Energy concentration

أى أن المادة تركيز شديد للطاقة فى أحد مجالاتها‎!‎

بهذا الكشف.. «المادة الضد».. وضعنا تفسيراً لنشأة الكون ‏‏(الانفجار العظيم)، كما‎ ‎وضعنا تفسيراً لنهاية الكون، عند ‏التقاء المادة بالمادة الضد (هناك شموس ضد، كواكب‎ ‎ضد، ‏وأقمار ضد)، يتحول الكون إلى طاقة.. أشعة جاما! لذا ‏يقول برتراند راسل: ليت ما‎ ‎فرقه الله.. لا يجمعه.. إنسان! ‏كما يقول: اطلعت على تقرير سرى للغاية «بريطانى‎».. ‎عن ‏سلاح.. مخيف.. ليست البشرية مؤهلة لاستعماله الآن.. إنه ‏التقاء المادة بالمادة‎ ‎الضد‎!‎

فسرت لنا اكتشافات ديرك.. ما يحدث فى مثلث برمودا، ‏الثقوب السوداء، وتجربة‎ ‎فيلادلفيا، والتى أجريت بواسطة ‏أينشتين ما بين يونيو 1943 و30/6/1944‏‎!‎

بل ربما تفسر لهؤلاء الذين يحبون تضافر العلم بالدين.. ‏مسألة الروح والجسد، وأن‎ ‎الجسد ما هو إلا مجال كثيف من ‏الطاقة.. وربما يحلو لهؤلاء أن يرددوا‎:‎

قالوا صفها، فأنت بوصفها خبير‎!‎

أجل.. لى بوصفها علم

نور ولا نار، لطف ولا هوى

هواء ولا ماء، روح ولا جسم

اظهر المزيد

د. وسيم السيسي

أستاذ جراحات المسالك البولية، وباحث في تاريخ مصر القديمة. حاصل على (F.R.C.S) بإنجلترا وزميل كلية الجراحين الملكية بإنجلترا. حاصل على (F.A.C.S) بالولايات المتحدة الأمريكية وزميل كلية الجراحين الأمريكية. عضو في الجمعية الأمريكية لدراسات الظواهر الجوية (.A.P.R.O). له أبحاث عديدة في علم المسالك البولية. حاصل على براءة اختراع عن جهاز خاص بالمسالك. له عملية جراحية جديدة باسمه في جراحة البروستاتا المتضخمة. اختير في موسوعة "who is who" وذلك لإنجازاته العلمية والفكرية لوطنه مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى