مساحة للاختلاف

الدكتور زاهي حواس : شطرنج الفراعنة

بعد انتهاء إحدى محاضراتى العامة بالولايات المتحدة الأمريكية فى مايو الماضى، قام طفل لم يتجاوز الثامنة من عمره ليسألنى: هل لعب الفراعنة الشطرنج؟ لحظتها أدركت أننا كعلماء آثار عندما نتحدث عن الفراعنة نتحدث عن معتقداتهم وآثارهم، وعلى رأسها الأهرامات والمقابر والمعابد وكنوز الفرعون الذهبى توت عنخ آمون، وكثيرا ما نتحدث عن المومياوات والسحر والتحنيط. وبالطبع هذا يعنى أننا نتحدث عن عالم الموت عند الفراعنة أكثر بكثير من الحديث عن حياتهم..

بمعنى أن من يسمع محاضرات الأثريين ويقرأ كتبهم يتخيل أن الفراعنة عاشوا للموت أو اهتموا فقط بما سيعدونه لحياتهم الأخرى، وهذا خطأ كبير، وظلم للفراعنة وحياتهم التى استمرت لآلاف السنين، حيث المؤكد أنهم أحبوا الحياة وفهموها ربما أكثر من فهمنا نحن لها.

نعود لسؤال الطفل المهتم بالشطرنج.. والحقيقة أن الفراعنة مارسوا ألعاباً ذهنية متقدمة تشبه الشطرنج إلى حد بعيد. وكانت المرأة الفرعونية تلعب كثيراً هذه الألعاب الذهنية مع زوجها، وهو ما صورته المناظر المصورة على جدران المقابر والمعابد، بل كانت الأميرات يتحدين آباءهن الملوك فى هذه الألعاب التى كان من أهمها لعبة تسمى «العشرين»، وتتكون كما يدل اسمها من عشرين مربعا مصطفة فى ثلاثة صفوف، الأوسط هو أطولها ويتكون من اثنى عشر مربعاً، وتوضع ببعض المربعات قطع لعب المتنافسين، ويتم تحريكها عن طريق نرد مكون من ثلاث أو أربع عصى عليها أرقام وأشكال مختلفة، وبإلقائها كانت تتحدد كيفية تحريك القطع داخل المربعات.

وكان من المعتاد عند الطبقات العليا وحتى المتوسطة تطعيم لوح اللعب بالأصداف أو بالأحجار الكريمة. كما كانت تُكتب عبارات داخل بعض المربعات إما لتشير إلى الحظ الحسن بالوصول إلى هذه المربعات أو العكس، حيث خطورة وجود قطع اللعب ببعض المربعات الخطرة. وكانت قطع اللعب تتخذ أشكالاً مختلفة مخروطية أو قمعية- أى على شكل القمع- وكان منها ما هو على شكل رؤوس الأسود أو الثعالب والكلاب أو على هيئة الأسير مقيد اليدين من الخلف. أما الفائز فى هذه اللعبة فهو اللاعب الذى يستطيع أولاً العبور بقطعة على المربعات إلى خارج لوح اللعب وبأمان. وبالطبع يحاول كل من اللاعبين السيطرة على بعض المربعات المهمة لعرقلة المنافس.

انتشرت لعبة «العشرين» فى الدولة القديمة واستمرت حتى الدولة الحديثة، حيث أصبحت تقابل لعبة تسمى «السنت» وهى الأقرب شبهاً بلعبة الشطرنج. وإضافة إلى المتعة الذهنية التى منحتها لعبة «العشرين» ولعبة «السنت»، فإن الأخيرة كانت لها معان دينية ورمزية، فكان تمثيلها على جدران المقابر ووضعها ضمن الأثاث الجنائزى يرمزان إلى انتصار الخير على الشر الذى دائما ما ينهزم لينتصر الخير ويمثله المتوفى الذى يعبر بأمان إلى العالم الآخر.

أعرف عالم مصريات ترك البحث العلمى، وتفرغ لعمل وتنفيذ لعبة «العشرين» وإحيائها، وبالفعل باع منها الكثير، وأصبح من أصحاب الملايين.

اظهر المزيد

د. زاهي حواس

عالم آثار مصري، وعالم مصريات، ووزير دولة سابق لشؤون الآثار. كما عمل في المواقع الأثرية في دلتا النيل، والصحراء الغربية، ووادي النيل. ولد حواس في قرية العبيدية، بمحافظة دمياط. في 28 مايو 1947، وعلى الرغم من أنه كان يحلم في الأصل بأن يصبح محامياً، حصل على درجة البكالوريوس في الآداب في الآثار اليونانية والرومانية من جامعة الإسكندرية بمحافظة الإسكندرية في عام 1967م. في عام 1979م، حصل حواس على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. عَمّل زاهي حواس في الأهرامات العظيمة كمفتش— وهو مزيج من المدير وعالم الآثار. عندما كان يبلغ من العمر 33 عامًا، حصل حواس على زمالة فولبرايت لحضور جامعة بنسيلفانيا في فيلادلفيا لدراسة علم المصريات، وحصل على درجة الماجستير في الآداب في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية في عام 1983م وعلى درجة الدكتوراه في علم المصريات في عام 1987م من مجموعة الدراسات العليا في الفن والآثار في عالم البحر الأبيض المتوسط أو (AAMW). بعد عام 1988م، درس حواس علم الآثار، والتاريخ، والثقافة المصرية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة كاليفورنيا (لوس أنجلوس). وقد ركّز حواس جهوده في محاولة للمساعدة في إنشاء برنامج منهجي للحفاظ على المعالم التاريخية واستعادتها، أثناء تدريب المصريين على تحسين خبراتهم في أساليب التنقيب، والإسترجاع، والحفظ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى