الدكتور شوقي علام يكتب: الأزهر منارة الوسطية ومرجعية الأمة
في حياة الأمم والشعوب رموز تحمل من الدلالات ما لا تستطيع مصطلحات اللغة أن تعبر عنه, ذلك لأنها مصدر من مصادر العزة والمنعة والسؤدد والتفوق الذي تتباهي به الأمم علي مثيلاتها.
وقد قدر الله عز وجل أن يكون الأزهر جامعا وجامعة أهم الرموز التي تحددت علي أساسها صورة مصر الذهنية في العالم أجمع, وكأنها مكة مع البيت الحرام, من حيث هو قبلة للعلم والوسطية الإسلامية التي تشع علي ربوع الأرض كلها.
كان الأزهر ولا يزال وسيظل بحول الله وقوته مرجعية عالمية لكل مسلمي العالم, يجمع ولا يفرق, يحفظ ولا يبدد, يبني ولا يهدم, يصون ولا يضيع, به حفظ تراث الأمة, وعلي أكتاف رجاله وعلمائه قامت دعوة الوسطية تنفض الغبار بعد سنوات من الجهل والجهالة التي ضربت أطنابها في أرجاء المعمورة.
استطاع الأزهر عبر العصور أن يحتوي الجميع, وأن يهضم الكل وأن يصبغهم بصبغته الوسطية الرافعة للحرج عن الأمة, الآخذة بيدها نحو كل ما هو يسير سهل داخل منظومة التشريعات الإسلامية.
لهذا فإنني أؤكد أن الأزهر ككيان ممتد عبر القرون لا يمكن أن يتم احتواؤه, فهو أكبر من أن يصبغه أي تيار بصبغته, الأزهر هو الأزهر.. فكرة, ومنهجا, علماء, ومؤسسة… لا يمكن أبدا أن يستوعبه أحد, فهو حاضن للجميع ومحتو ومعبر عن التدين الحقيقي.
وتنطلق وسطية الأزهر الشريف من وسطية الإسلام التي هي تحصين للمجتمع من الإفرازات التي يمكن أن توجد بسبب التضييق من المتطرفين الذين يعتمدون علي نظرة ضيقة للكون وللحياة, وينطلقون منها إلي تخطئة كل رأي مخالف لهم باسم الدين, ويدينون كل فكر مخالف لفكرهم باسم الدين, الأمر الذي ينتهي بهم إلي تكفير الناس, بل النيل من أعراض العلماء, ووصمهم بصفات غير لائقة, فالغلو في الدين باب إلي التطرف الذي يقود إلي العنف والسعي إلي إلزام المخالف رأيه بالقوة, وتبني الأزهر لمبدأ الاعتدال ووسطية الإسلام هو سر بقائه إلي الآن شامخا لم تؤثر فيه حوادث الدهر, وهو سر التفاف الناس حوله, فهو الملاذ للجميع وهو الحصن والمدافع عن الدين.
والمؤسسة الدينية في مصر وعلي رأسها الأزهر الشريف أدت دورها الوطني والقومي والإسلامي, وهي تحتل مقام الريادة والقيادة دائما ولن تتخلي عن هذا الدور, لتظل وفية لدينها ووطنها.
لقد قدم الأزهر أعمالا جليلة وإسهامات عظيمة يشهد لها الشرق والغرب سعيا منه لرفعة الأمة ونهضتها, وكفي بالأزهر فخرا أنه منذ إنشائه يقدم المنهج الوسطي والفهم الصحيح المبني علي المنهج العلمي الرصين لنصوص الدين, والفهم الواقعي للحياة, يؤدي ذلك كله وهو يحافظ علي هويته ويستوعب التطور الهائل حوله بمرونة تذكر فتشكر من غير أن يؤثر ذلك علي أصالته وعراقته, ويحافظ علي نقاء الإسلام من الفكر الصدامي والتيارات المتشددة والمتطرفة التي أساءت كثيرا للإسلام والمسلمين وجعلته محل اتهام وهجوم من قبل البعض.
فالأزهر الشريف الجامع والجامعة وكذا علماؤه لهم مكانة عظيمة في نفوس مسلمي العالم, مما أهله ليكون قوة ناعمة ومؤثرة في كل الدول الإفريقية والعربية والإسلامية التي جاء أبناؤها للدراسة في الأزهر طلابا للعلم, وعادوا إلي بلادهم مفتين وعلماء دين ووزراء ورؤساء حكومات لا تكاد تخلو منهم دولة.
كما أنه لم يأل جهدا في رعايتهم من خلال مدينة البعوث الإسلامية بكل فروعها لتوفير الرعاية والمسكن الآمن للوافدين من الدارسين في الأزهر الشريف, ليعودوا بعد ذلك سفراء لمصر والأزهر في بلادهم, وأعتقد أن هذه قوة كبيرة لا ينبغي أن نتغافل عنها بل علي العكس لا بد من استثمارها في هذه الظروف التي تمر بها البلاد, والاستفادة من هذه القوة الناعمة في حل المشكلات بيننا وبين الدول الأخري.
وإنني علي يقين من أن بني وطني يعظمون دور الأزهر الشريف وشيخه الإمام, وسيظل في أعينهم مرجعية حين تدلهم الخطوب, يلجئون إليه فيجدون الصدر الحنون, والحكمة المنشودة, ويجدون الموقف الصلب الذي لا يفرط في ثوابت الدين والوطن.
حمي الله أزهرنا من أيدي العابثين, ووقانا شر الفرقة وكيد الكائدين, ورزقنا رؤية الحق والحقيقة, وأخرج مصر من هذه المحن علي خير حال.. إنه خير مأمول وأكرم مسئول.. وصلي الله علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.