الزكاة لشراء أدوات الوقاية من الوباء للأطباء والمرضى
نحن مؤسسة خيرية غير هادفة للربح، نحيط سيادتكم علمًا بأن المؤسسة قامت بتوقيع بروتوكول تعاون بينها وبين وزارة الصحة والسكان ووزارة التضامن الاجتماعي، وذلك في إطار خطة الدولة المصرية لمواجهة جائحة فيروس كورونا، وبناءً على التعاون بين القطاع الحكومي للدولة ممثلًا في وزارتي الصحة والسكان والتضامن الاجتماعي وقطاع المجتمع المدني الممثل في مؤسستنا الخيرية.
بالإشارة للموضوع أعلاه نرجو من فضيلتكم التكرم بإفادتنا بإيجاز عن الزكاة في حالة التبرع لتوفير المستلزمات الطبية الوقائية (ماسكات، أفرولات، جونتيات، أحذية عازلة، مستلزمات التعقيم) للكادر الطبي (الجيش الأبيض) وللمرضى بمستشفيات الحجر الصحي والمستشفيات الجامعية بجميع المحافظات.
الجواب : الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام
الزكاة مشروعة لبناء الإنسان وكفاية حاجته، وما يتصل بأمور حياته ومعيشته؛ الفردية والمجتمعية، كالغذاء والسكنى والتعليم والعلاج وغير ذلك من ضروريات الحياة وحاجياتها؛ دفعًا للمضار والأخطار، وجلبا للمصالح والمنافع؛ فهي تدفع غوائل الفقر والجهل والمرض والعدو، بجلب نوائل الكفاية والعلم والصحة والأمن، ولذلك بدأها الله تعالى بكفاية الفقراء والمساكين؛ للتأكيد على أولوية بناء الإنسان، ثم تدرج فيها إلى مصرف (سبيل الله) للتوصل إلى أمان الأوطان؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
ومن أهم مظاهر بناء الإنسان وحماية مقومات معيشته وحياته على المستوى الفردي والمجتمعي: القضاء على الأمراض والأوبئة الفتاكة؛ ففيه تحقيق أعظم المقاصد الكلية العليا للشريعة الغراء وهو حفظ النفس؛ إذ الأمراض والأسقام هي أشدُّ ما يعرِّض النفوسَ للتلف، قال الإمام الشاطبي في “الموافقات” (2/ 385، ط. دار المعرفة): [إن المقصود بمشروعية الزكاة: رفع رذيلة الشح، ومصلحة إرفاق المساكين، وإحياء النفوس المعرَّضة للتلف] اهـ، وقال الشيخ ابن القيم في “زاد المعاد” (4/ 196، ط. مؤسسة الرسالة): [لما كانت الصحة من أجل نعم الله على عبده وأجزل عطاياه وأوفر منحه بل العافية المطلقة أجل النعم على الإطلاق: فحقيقٌ لمن رُزِقَ حظًّا مِن التوفيق مراعاتُها وحفظُها وحمايتُها عما يُضادُّها] اهـ.
ولمّا كانت مدافعة المرض -وقايةً وعلاجًا- داخلةً في حاجة الإنسان الأصلية ومقومات معيشته الأساسية؛ كان الإنفاق فيها على محتاجيها من مصرف الفقراء والمساكين، غير أن المرض إذا كان وباءً فالأمر فيه أشد والضرر فيه أعم؛ لأن في استشرائه إنهاكًا للقوى وهلاكًا للجماعات وتدميرًا للاقتصاد وضَعْضَعَةً للدول؛ فينتقل الشأن من مجرد كفاية المحتاجين على مستوى الفاقة والحاجة، إلى وقاية المواطنين وأمنهم الصحي على مستوى الأوطان والدول؛ حيث الحفاظُ على الصحة يؤدي إلى كفاءة أداء الخدمة العسكرية، وإلى تَطَوُّر المعدلات التنموية، وزيادة قوة الدولة الاقتصادية؛ فإن بناء القوة يبدأ مِن بناء الفرد وكفاءته في الأداء وقدرته على الإنتاج؛ لأن العقل السليم في الجسم السليم، وكل ذلك أساسٌ لإعداد القوة المأمور بها شرعًا في سبيل الله.
وأساس مصرف (في سبيل الله): جهاد الفعل؛ بصد العدوان ودفع الطغيان، وجهاد الردع: بإعداد العدة، وبناء أمن الأوطان، الذي أمرنا الله به في قوله سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: 60]، وقد تطورت أساليب الحروب وتعدد أنواعها ومجالاتها وأساليبها؛ نفسيةً، وسياسيةً، واقتصاديةً، وبيولوجيةً، ونوويةً، وفضائيةً، وغير ذلك؛ بما يفرض على الفقهاء والمفتين نظرًا جديدًا في مفهوم إعداد القوة ووسائل الدفاع؛ إذ لكل نوع دفعُه، ولكل أسلوب ردعُه؛ ففي الحروب البيولوجية مثلا تُنشَر الفيروسات والأمراض الفتاكة؛ فتتطلب دفاعًا بمختلف وسائل الوقاية، وعتادًا بمنظومة العلاج وشتى أساليب الرعاية.
والقضاء على الوباء شأن عام: يتطلب إنشاء منظومة صحية حديثة متكاملة، وقائية وعلاجية متخصصة، وهذا من الأمور التي لا يستقل بها أفراد الناس ولو كانوا أغنيـــاء، بل تضطلع بها الدول والمؤسسات، وتكلف بها الحكومات والوزارات؛ بما لديها من طاقات وقدرات، وما خُوِّلَتْ من نفوذ وميزانيات، فهي فوق طاقة الأفراد؛ لا يستطيعون تحقيقها بأنفسهم لأنفسهم وقايةً وعلاجًا، مهما بلغت ثرواتهم، وانبسطت قدراتهم؛ وذلك لما يتطلبه تجنب الوباء من إجراءات وقائية وعلاجية؛ وصفية وكشفية، وتشخيصية وتجهيزية، ودوائية وإجرائية؛ حتى تصل بمجموع أفراد المجتمع إلى بر الأمان، ويزاولوا أعمالهم وحراكهم اليومي في سلام واطمئنان، وهو وإن لم يكن فيه تملُّكٌ مباشر للأفراد إلَّا أن ولي الأمر يتصرف فيه عنهم بما هو أنفع لهم.
فالصرف من الزكاة على مدافعة المرض وقايةً وعلاجًا له نظران:
نظر فردي إنساني: من جهة أنه بناء للإنسان؛ لأنه القدر الأَوَّلي المحتاج إليه في بناء الفرد وقوام عيشه وممارسة حياته؛ حتى يستغني عن الاحتياج لغيره.
ووطني مجتمعي: من جهة أنه أمان للأوطان؛ لأنه السبيل للحفاظ على صحة أفراد الوطن من الأمراض والأوبئة؛ ليكونوا نافعين لمجتمعهم، وقوى إنتاجٍ لا مجرد آلات استهلاكٍ، فتزداد التنمية، ويقوى الاقتصاد.
فكلما قل نطاق المرض وانحصرت بؤرته وسهل علاجه والتعامل مع مرضاه وحددت مصاريف علاجهم: كان هذا أليق بمصرف الفقراء والمساكين.
لكن إذا عم الوباء واستشرت الجائحة وكثر المصابون وسهلت العدوى وعظمت التكاليف وتكاثرت التبعات وازداد الخطر: صار ذلك أقرب إلى مصرف (في سبيل الله).
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز صرفُ الزكاة لتوفير المستلزمات الطبية الوقائية؛ من ماسكات، وأفرولات، وجونتيات، وأحذية عازلة، ومستلزمات التعقيم: للكادر الطبي، وللمرضى، بمستشفيات الحجر الصحي والمستشفيات الجامعية بجميع المحافظات؛ تحقيقًا لمقصد حفظ النفس وهو المقصد الأول من المقاصد الكلية العليا في الشريعة الإسلامية، وبناءُ المنظومة الصحية داخلٌ في تحقيق هذا المقصد؛ صيانةً لصحة الناس وِقَاءً، وإنقاذًا لها بالعلاج استبقاءً، ودفع المرض يكون بالوقاية منه قبل حصوله، وعلاجه بعد نزوله، وكما جاز الصرف على المريض لعلاج ما فيه، جاز من باب أولى تلافيه.
وتطوُّرُ وباء العصر وانتشار آثاره المدمرة يستوجب تكريس الجهود وضخ الأموال لاستكفاء بناء المنظومة الصحية؛ بكل آلياتها وأدواتها وأجهزتها، ونظم علاجها ووسائل وقايتها، كما يحتاج إلى تكاتف الجمعيات الخيرية والمؤسسات المدنية والهيئات الاعتبارية، بالإضافة لما توفره الدولة من ميزانية، وهذا أليق بمصرف (سبيل الله)؛ إذ لا يُتَوَصَّل لإعداد القوة إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ولا يشترط التمليك للزكاة في هذه الحالة؛ لأن التمليك إنما يُشتَرَطُ عند الفقهاء حيث يُتَصَوَّر، لا حيث يَتعسَّر أو يَتعذَّر.
وما أحوج بلادنا -في هذه المرحلة- إلى الجهود المتكاتفة للمؤسسات العلاجية على جميع المستويات؛ فإن عزمات الرجال وهمم المصلحين والمواقف الفارقة: هي التي تُغيِّر مسار الأحوال وتصنع تاريخ الأمم.
والله سبحانه وتعالى أعلم
نقلًا عن الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية
الرقم المسلسل للفتوى: 100001
التاريخ : 01/05/2020