مصر دائمًا تسعى للسلام .. أقدم معاهدة عرفها التاريخ مصرية وعمرها 3300 عام
يثبت التاريخ المصرى عبر عصوره أن مصر دائمًا تسعى للسلام والاستقرار في المنطقة وليست دولة عدائية أو محتلة، ولكنها تعمل من أجل التنمية والتعمير، وهو لم يضمن لها السلام فحسب، بل كذلك الهيمنة على المسرح الدولى، ولدينا دليل على ذلك من وحى وعبق التاريخ وهى أقدم معاهدة سلام عبر التاريخ “معاهدة قادش” فما هى القصة الكاملة حتى يتم توقيع تلك المعاهدة؟ هو ما نستعرضه عبر السطور المقبلة.
وكانت تلك المعركة بين قوتين كبريين في الشرق الأوسط، وهما المملكة المصرية الحديثة بقيادة رمسيس الثاني والإمبراطورية الحيثية بقيادة الملك مواتللي الثاني، معركة شرسة في قادش على نهر العاصي بالقرب من حمص اليوم، على بعد بضعة كيلومترات فقط من الحدود السورية – اللبنانية.
أقدم معاهدة فى التاريخ
وحسب كتاب “الفراعنة المحاربون” للدكتور حسين عبد البصير، كان ملك الحيثيين مواتشيلى قد جمع جيشًا كبيرًا أكبر من جيش الملك رمسيس الثانى، وكان جيشه مقسمًا إلى قسمين أحدهما كان مكونًا من حوالى 18 ألف مقاتل والآخر من حوالى 19 ألف مقاتل، بالإضافة إلى ألف وخمسمائة عربة حربية، وكانت هذه قوة عسكرية كبيرة، وانقضت على فرقة الإله رع التى كانت فى طريقها للانضمام للملك رمسيس الثانى، وهاجمت القوات الحيثية جيش مصر بضراوة، واقتحمت المعسكر المصرى، وسيطر الارتباك على الملك رمسيس الثانى، وصار منعزلاً عن بقية قواته، وكان معه حارسه الشخصى حامل درع المدعو مننا، وكقائد عسكرى بارع، اعتمد رمسيس الثانى العظيم على قواته القليلة وأخذ يجمعها ليصد الهجوم الحيثى، وحارب الملك رمسيس الثانى بضراوة مما اضطر الملك الحيثى للتراجع فى المساء، وفى اليوم التالى، تجمع الجيش المصرى وحارب بشدة.
ومما يؤكد أن مصر دائمًا تتفق مع السلام والاستقرار، فعندما نبعت في ذهن الملك الحيثى خاتوشيلى الثالث، فسرعان ما رحب الملك رمسيس بعرض التصالح هذا، وبدأت العلاقات الدبلوماسية تشق طريقها بين البلاط الحيثى والبلاط المصرى، وبعد حوالي 16 عامًا من المعركة، تم إبرام معاهدة سلام رسمية، وتوًا تبادلت العاصمتان “خانوشا مع بى ـ رمسيس” البعثات الدبلوماسية بغية التفاوض على شروط معاهدة تتمشى مع النظام الدولى آنذاك، وهكذا كان الاتفاق المصرى الحيثى ما هو إلا النهاية الطبيعية لقرن من الزمان تزايدت فيه عناصر التوتر والضغوط السياسية على الصعيد الدولى.
ويقال إن هذا قد حدث في حوالي عام 1274 قبل الميلاد، على الرغم من استمرار الجدل حول التاريخ المحدد، يختص عدد من الجدران الحجرية في أبيدوس والكرنك والأقصر وأبو سمبل بوصف النسخة المصرية من المعركة والانتصار البطولي لرمسيس الثاني، حسبما ذكر نوكي ماساكي، سفير اليابان بمصر السابق.
كيف تمت كتابة المعاهدة؟
وقد نقشت حروف المعاهدة باللغة الأكادية على لوحة من الفضة، وهذه كانت آنذاك لغة الدبلوماسية العالمية، وبعد ذلك ختم خاتوشيلي اللوحة بخاتم الدولة، ثم أمر بإرسالها إلى الملك رمسيس في عاصمته بي رمسيس، وتم ذلك على أيدي بعثة مكونة من كبار الشخصيات، وعلى رأسها، فيما يبدو، أحد الأمراء من المحتمل ابن الملك خاتوشيلي، وذلك حسب ما ذكر المجمع العلمى بالقاهرة.
ثم قام الديوان الفرعوني بترجمة النسخة التي ختمها خاتوشيلي والتي وجهها إلى حليفه رمسيس حاملة تعهداته، وبعد ترجمتها إلى اللغة المصرية نقشت بالخط الهيروغليفي على جدران معبد الكرنك ومعبد الرامسيوم في طيبة، وربما كذلك في بعض المعابد الكبرى المنتشرة في البلاد، ما عن النص المصري الصادر من البلاط المصرى والمبعوث إلى الملك الحيثى فقد كتب بدوره باللغة الأكادية “الدولية” على لوحة من الفضة.
ومن هذا النص المصري عملت نسخ أخري نقشت على ألواح من الصلصال وحفظت بالدواوين الحيثية، وبالأحرى في السجلات الملكية بالعاصمة الحيثية، حيث عثر ضمن المراسلات الموجهة من البلاط المصري إلى نظيره الحيثي.
أين توجد معاهدة قادش؟
وجدت اللواح في عام 1906، في وسط الأناضول، تركيا، في موقع العاصمة الحيثية القديمة، حتوسا، وهي تسجل النص بخط مسماري، فالنسخة الأصلية محفوظة في المتحف الأثري في أسطنبول، وقام بعمل النسخة المقلدة سعدي كاليك، وهو نحات ومحاضر في كلية اسطنبول للفنون الجميلة، حسب ما أكدت منظمة اليونسكو.
وتنص المعاهدة على الصداقة الأبدية والسلام الدائم وسلامة الأراضي وعدم الاعتداء وتسليم المجرمين والدعم المتبادل، التعهدات الواردة في هذه المعاهدة مماثلة لمُثُل الأمم المتحدة.
تم تقديم هذه النسخة للأمم المتحدة من قبل إحسان صبري كاجلايانجيل، وزير خارجية تركيا نيابة عن دولة تركيا وقبلها الأمين العام يو ثانت، وهي موجودة في ممر المندوبين بالطابق الثاني من مبنى المؤتمرات، بالقرب من مدخل قاعة مجلس الأمن.
ويمكن تلخيص جوهر الالتزامات المتبادلة بينهم على النحو التالي:
1- يعم سلام وأخوة دائمين بين مصر والحيثيين.
2- لا ينتهك أيٍ من الطرفين أرض الآخر.
3- في حال تعرض أيٍ من الطرفين للهجوم من طرف ثالث أو قوى داخلية، يقوم الطرف الآخر بإرسال قوة لدعمه.
4- يقوم كل جانب بإعادة المنشقين والمعارضين إلى الجانب الآخر.