الدكتور رفعت سيد أحمد يكتب: النكبة التي لم تحقّق أهدافها بعد
في هذه الأيام نتذكّر النكبة بعد 71 عاماً على وقوعها الدامي، ولأن هناك شعباً حياً وأمّة رافضة للاستسلام في فلسطين وخارجها، فإننا نجزم بأن النكبة من زاوية مختلفة لا تزال مهزومة ولم –وأظنها لن – تحقّق أهدافها طالما بقيت عمليات المقاومة ضدها، وهو عينه ما قاله ذات يوم مجرم الحرب الصهيوني أرئيل شارون بأن (حرب 1948 – وأسماها في قولته تلك بحرب الاستقلال -لم تنته بعد) وأرجع ذلك إلى تلك الاستمرارية الفلسطينية في المقاومة والانتفاضة ورفض الخنوع وإتفاقات التسوية، وأن كل الانتصارات الصهيونية في (الجغرافيا) من خلال الاحتلال وقَضْم الأراضي وتهويدها وزرعها بالمستوطنات وبالجدار العازل وفرض الشتات على ملايين الفلسطينين، لم تغيّر (التاريخ) والإرادة كما هدفت حرب 1948 ونكبتها، إلا أن ذلك لا يمنعنا من أن نعود بالذاكرة إلى تلك اللحظات التاريخية المهمة في قصة الصراع العربي الصهيوني، ليس بهدف البكاء على الأطلال وجَلْد الذات بل بهدف أخذ العبرة وشحذ الهمم وتأكيد خيار المقاومة الذي هو وحده القادر على هزيمة النكبة ولو بعد واحد وسبعين عاماً من وقوعها.
بداية إن التاريخ الثقافي الذي أرّخ للنكبة يحدّثنا بأن المؤرّخ اللبناني قسطنطين زريق أول مَن استعمل مصطلح “النكبة” لوصف حرب 1948 وذلك في كتابه “معنى النكبة” الصادر في آب/ أغسطس 1948. وهو الإسم الذي أضحى يطلقه العرب والفلسطينيون على المذابح التي جرت لهم على أيدي الصهاينة، والعمليات الإجرامية الواسعة بهدف تهجيرهم وطردهم من قراهم ومدنهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948. إن وقائع الحرب تقول بأن المعارك في فلسطين بدأت في أيار/مايو 1948 بعد الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان العصابات الصهيونية قيام دولة إسرائيل على المساحات الخاضعة لسيطرتها في فلسطين، وبعد أن تدخّلت بعض الجيوش العربية في مصر وسوريا والعراق وإمارة شرق الأردن على فلسطين، ونجحت بعض تلك الجيوش في تحقيق انتصارات كبيرة، إلا أنه في السادس عشر من أيار/ مايو 1948 اعترف رئيس الولايات المتحدة هاري ترومان بدولة إسرائيل ودخلت أول وحدة من القوات النظامية المصرية حدود فلسطين وهاجمت هذه القوات مستعمرتي كفار داروم ونيريم الصهيونيتين في النقب، كما عبرت ثلاثة ألوية تابعة للجيش الأردني نهر الأردن إلى فلسطين، واستعادت القوات النظامية اللبنانية قريتي المالكية وقدس على الحدود اللبنانية وحرّرتهما من عصابات الهاغاناه الصهيونية.
استمرت المعارك على هذا النحو حتى تدخّلت القوى الدولية وفق مؤامرة دولية عُرِفت في ما بعد وفرضت الهدنة الأولى (من 11/6 ـ 8/7/1948) ثم اشتعلت المعارك لتعقد هدنة ثانية (من 18/7 -10/11/1948) ثم عاد القتال ليستمر حتى 7/يناير/1949 موعد الهدنة الثالثة وما بين هذه الهدن كانت العصابات الصهيونية تتسلّح وتتّسع وتقوى والعرب يتفرقون ويتراجعون لتنتهي الحرب بتوقيع مصر لاتفاق هدنة في 24 فبراير 1949 يليها لبنان 23 مارس 1949 ثم الأردن في 3 أبريل 1949 فسوريا 20 يوليو 1949 ولتبدأ مرحلة جديدة من الصراع .
ومن النتائج المؤلمة لهذه الحرب (التي لم تنته بعد) إجبار حوالى 800 ألف فلسطيني على الفرار والهجرة القسرية من ديارهم من أصل مليون ومائتين وتسعين ألف فلسطيني أي نحو 60% من أهل فلسطين، وذلك نتيجة ارتكاب الصهاينة 34 مذبحة مروّعة أثّرت سلباً على روحية الصمود الفلسطيني، وكان من النتائج الخطيرة لهذه الحرب المؤلمة سقوط 78% من أراضي فلسطين في أيدي الصهاينة ، فضلاً عن دمار قرابة الـ 400 قرية ومدينة مع تهويدها بالكامل. اليوم وفي أيار/ مايو 2019 وفي الذكرى الـ71 لهذه الحرب نعيد التأكيد على أن إستعادة فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر لن تتم بالاتفاقات وصفقات القرن وغيرها من الوسائل التي أثبت الكيان الصهيوني نفسه أنه لا يحترمها ولا يقيم لها وزناً، وأن المقاومة وحدها هي القادرة على إعادة فلسطين إلى أهلها والمقاومة التي نعنيها لا تخصّ الشعب الفلسطيني وحده، ولكنها مسؤولية الأمّة كلها، ومهما طبع حكام العرب وفي القلب منهم حكام الخليج المحتل، فإن الشعوب تدرك أن سلامهم مجرّد أوهام وأن الأصل هو في الجهاد والمقاومة، وأن فلسطين عائدة وإن طال الزمن فهي كما قال ذات يوم الشهيد المعلّم د.فتحي الشقاقي (فلسطين آية من الكتاب، ولذا لن تضيع كما يتوهّم المهزومون والمرجفون والمعاهدون على بيعها ،إنها آية مباركة من الكتاب ، مَن نسيها فقد نسيَ الكتاب ومَن نسيَ الكتاب فَقَد القدرة على الوعي والرؤيا).