صلاح عيسى يكتب: الصواب الذى يتوجب علينا أن نقوم به
لا اعتراض لدىَّ على وصف بيان المستشار «أحمد أبوزيد» – المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المصرية – لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، بأنها صاحبة أجندة سياسية مشبوهة وتوجهات منحازة ومعروفة تعبر عن مصالح الجهات التى تمولها.. وأنها لذلك دأبت على ترويج الأكاذيب والمعلومات الخاطئة عن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر.. وليس لدىَّ أى ذرة من شك فى أن التقرير الذى بثه فرع المنظمة بألمانيا – مساء الأربعاء الماضى – هو استمرار للمحاولات البائسة التى لا تكف عن القيام بها، لتشويه ثورة 30 يونيو 2013 فى مصر.
ويستند هذا التقرير إلى شهادة 19 من المعتقلين وأسرهم ومحاميهم، تزعم المنظمة أن مندوبين عنها قد استمعوا منهم إلى وقائع التعذيب التى تعرضوا لها خلال الفترة بين عامى 2014 و2016، فضلاً عن قيام هؤلاء المندوبين بمراجعة عشرات التقارير التى أصدرتها المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام المصرية. أسفرت كلها عن توثيق لوقائع تعذيب ممنهج ومنظم مارسته أجهزة الأمن المصرية فى مقارها، وفى مقار الفروع التابعة لها، شملت الضرب والصعق بالكهرباء فى أوضاع مجهدة، وأحياناً الاغتصاب، مما يرقى – كما يقول التقرير – إلى مستوى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
أحد أهم الأسباب التى تدعو للشك فى مصداقية منظمة هيومان رايتس ووتش وغيرها من منظمات المجتمع المدنى التى تنشط فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان هو اللهجة السياسية – وليست الحقوقية – التى تستخدمها فى تقاريرها، وهو ما يتضح فى عنوان التقرير الأخير، الذى ربط بين التعذيب وما سماه «عهد الرئيس السيسى»، وبين هذا العهد ووصفه لثورة 30 يونيو 2013 بـ«الانقلاب العسكرى ضد رئيس منتخب».. فضلاً عما وصفه بيان الخارجية المصرية بـ«الانتقائية فى اختيار مصادر المعلومات»، من خلال اللجوء إلى كيانات معروفة بتوجهاتها المنحازة ضد الدولة وإلى شخصيات مجهولة.
ما يلفت النظر فى نشاط المنظمات التى تدافع عن حقوق الإنسان على الساحة المصرية- بخاصة تلك التى نشطت لتأسيسها جماعة الإخوان المسلمين فى عواصم آسيوية وأوروبية- وهو أن الجماعة تتجاهل متعمدة – ومع سبق الإصرار والترصد – أن مصر تخوض حرباً ضد الإرهاب والتطرف، وأن رحى المعركة تدور بين ما يوصف رسمياً بـ«قوة إنفاذ القانون»، وما يصنف عملياً بـ«جماعات الإرهاب».. وإذا كان من المؤكد أن الحرب ضد الإرهاب ليست مبرراً لإهدار أى حق من حقوق الإنسان، أو العدوان عليها، فإن هذه الحرب – أيضاً – ليست مبرراً لكى يتجاهل الطرف الآخر فيها حقيقة أن الإرهاب هو عدوان صريح وقبيح على أبسط حقوق الإنسان، وأن من واجب الذين يتصدون لمقاومته أن يدركوا أنهم يفعلون ذلك دفاعاً عن هذه الحقوق.
وليس معنى ذلك أن علينا أن نتجاهل ما يصدر عن منظمة «هيومان رايتس ووتش» من تقارير عن ملف حقوق الإنسان فى مصر، ولا أن نتجاهل الرد على ما تتضمنه تقاريرها من معلومات منقوصة أو مغلوطة، ولا يجوز لنا أن نكتفى بإرسال وفد آخر من نواب البرلمان المصرى إلى «واشنطن» لكى يلتقى وفداً من أعضاء الكونجرس الأمريكى لكى يعيد من جديد فتح باب المناقشة بينهما حول ملف حقوق الإنسان فى مصر.. خاصة بعد التطور الأخير، الذى حدث على صعيد العلاقات الاقتصادية بين «القاهرة» و«واشنطن»، والذى أسفر عن تخفيض المعونة الأمريكية لمصر.. لأسباب تتعلق بملف حقوق الإنسان بمصر.
أما المؤكد فهو أننا لا نفعل ذلك لأننا نصدق تقارير هيومان رايتس ووتش، التى نثق فى أنها كاذبة ومشوشة وملعوب فى أساسها، ونعلم – قبل غيرنا – أن من بين الذين يحررونها ويدعمونها بالمعلومات الكاذبة عناصر تنتمى لجماعة الإخوان المسلمين، وتسعى – عبر هذه التقارير – إلى إثارة الغبار حول علاقات مصر الدولية، وإلى تقوية التيارات المعادية للإدارة المصرية الحالية داخل المجتمع الدولى، وإلى المحاولات اليائسة التى قامت بها الجماعة على امتداد السنوات الأربع الماضية، لكى تسترد الشرعية التى افتقدت إياها من جماهير المصريين الذين زحفوا فى 30 يونيو 2013.
من واجبنا أن نفعل ذلك، لأنه الصواب الذى يتوجب علينا أن نقوم به، بصرف النظر عما قد يرتكبه الآخرون من أخطاء، ومن واجبنا أن نفعله لأنه الذى يليق بوطننا وبشعبنا وبتاريخنا.