وحيد حامد يكتب: حدث فى الهند
يقال إن أحد ملوك الهند استدعى وزيره الأول وطلب منه أن يأتيه بعبارة ينقشها على خاتمه، تكون قصيرة وموجزة وإذا قرأها وهو حزين يفرح وإذا قرأها وهو فرح يحزن، فذهب الوزير وغاب عن الملك ثلاثة أيام وفى اليوم الرابع عاد إليه بالعبارة المطلوبة (هذا الوقت سيمضى).
ونظراً لعبقرية الجملة وحسن استخدامها فأنا أتوقف أمامها وأقيس عليها أحوالنا، فلا شك أن عندنا تعساء وأشقياء يسكنهم الحزن ليل نهار وهؤلاء هم الأغلبية. ومثل هذه العبارة تبشرهم بأمل قادم حتى لو كان بعيداً ووقتنا أفضل حتى لو كان قصيراً.. هؤلاء هم الذين طحنهم الفقر وأحيطوا بالذل والهوان وأهدرت كرامتهم وضاع صوتهم فصار لا يسمع وتفرض عليهم القوانين الجائرة، ويعاملون معاملة القطيع بأن يتوفر إلى حد ما بعض الطعام والشراب، مع التأكيد على إلغاء العقل الذى هو نعمة الله لعبده الإنسان، الوقت الذى تقتل فيه الأفكار وفيه يصبح الإبداع بدعة.. الوقت الذى يغيب فيه العلم وتنتشر فيه الخرافة، ويتحول فيه التاريخ إلى أكاذيب.. الوقت الذى يتألق فيه الفساد وينمو ويعلو ويتحصن ويحكم.
هذا الوقت المر العصيب لابد أن يمضى.. ولا أحد يسأل كيف يمضى وقتى؟ لأن الجواب لا يملكه كاتب أو مفكر أو حتى عالم دين، الجواب دائماً وأبداً يكون عند الناس وفى لحظة نفاد صبر مفاجئة ومباغتة.. هذا وقت الكهنة، وقت السحرة.. إذا أرادوا قتل حقيقة شكلوا لجنة، وإذا قرروا حماية فاسد أحاطوه بالرعاية والعناية ورفعوا من قدره وشأنه فقد صار واحدا منهم بعد أن أصبحت الغنائم متاحة للجميع، لهذا كله هناك جموع غفيرة تنتظر قليلا من الفرح والسعادة فى أن يمضى هذا الوقت ويأتى وقت جديد ينعم الناس فيه بالعدل والمحبة والأمان.
أما الاستخدام الثانى للعبارة وهو الخروج من حالة الفرح إلى حالة الحزن، فهو الاستخدام النادر، لأن من عاش الفرح يصعب عليه أن يتخلى عنه، وهذا النوع من البشر هم الفاعل الأصلى والصانع الأساسى لأحزان الفريق الأول المسحوق والمطحون، وغير المسموح له حتى بالكلام.. وحتى إذا حدث وتكلم فهو كلام فارغ وغير علمى وصادر عن حاقد أو ناقم وتخرج عليه فصائل الدبابير من أعشاشها فى هجوم مباغت حتى يكون عبرة لغيره وينعم الفساد بالحماية والرعاية.. هؤلاء لا يفكرون، ولو لمجرد لحظة، فى أن كل ما لديهم من نفوذ ومال حرام وقوة البطش فى أن هذا الوقت سيمضى.. ولكنى على يقين من أن وقتهم سيمضى.