صلاح عيسى يكتب: شائعات رفع الأسعار
فى ختام مناظرة تليفزيونية، أجرتها – فى الأسبوع الماضى – إحدى القنوات الفضائية المصرية، وشارك فيها عدد من رؤساء مجالس إدارات – وتحرير – المؤسسات الصحفية القومية، ودار موضوعها حول الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التى تعانى منها تلك المؤسسات مما يفرض على الدولة أن تقرر إعفاءها من الديون التى تراكمت عليها لصالح وزارات الحكومة وبنوك القطاع العام، أصر مقدم البرنامج، على ألا ينهى المناظرة دون أن يبشر المشاهدين، قبل النوم، بآخر ما توصل إليه فريق العمل فى البرنامج من انفرادات إخبارية، تؤكد أن أسعار السجائر سوف ترتفع بنسبة ملحوظة خلال أيام، على الرغم من بيانات تكذيب هذا الخبر التى صدرت – أو قد تصدر – عن الشركة الشرقية للدخان، التى تحتكر إنتاج السجائر.
ومع أن المشاركين فى المناظرة – وكلهم من الصحفيين – حاولوا التهوين من مصداقية الخبر، ورجحوا أن يكون وراء السعى لترويجه عناصر لها مصلحة فى إحداث ارتفاع مصطنع فى أثمان بيع السجائر للمستهلكين، إلا أن مقدم البرنامج أصر على – أنه خبر صحيح، يستند إلى مصادر موثوق بها، وأن ما يهمه – كإعلامى – هو أن يقدم الخبر إلى مشاهديه، بصرف النظر عن سعى المحتكرين منهم، إلى تخزين السجائر، للاستفادة من فارق السعر، بين الثمن الذى تباع به هذه الأيام، وسعر بيعها بعد ارتفاع الأسعار، الذى سوف يتحمله المستهلك المسكين.
ولم يعد سراً الآن، أن جانباً ملحوظاً من موجة الغلاء التى تعانى منها مصر، لا تعود فقط إلى الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة مؤخراً، بصرف النظر عن اختلاف وجهات النظر فى مدى خطئها وصوابها، مثل تعويم الجنيه ورفع الدعم عن المحروقات، وزيادة الرسوم الجمركية… إلخ.. ولكنها تعود – كذلك وأساساً – إلى سعى المحتكرين والمضاربين والسماسرة والمستفيدين من تعدد حلقات الوساطة بين المنتج والمستهلك فى تخزين السلع وتعطيش الأسواق، بهدف الاستفادة، من فارق السعر.
فى هذا السياق، لا يجوز لأحد أن يعتبر ما ينشر أو يبث على صفحات الصحف، أو شاشات الفضائيات، عن المسائل الاقتصادية، هو من الأمور المهنية المحضة، التى يجب أن يقتصر الاهتمام بها، والحق الحصرى فى إصدار القرارات بشأنها، على من يملكون السلطة المهنية دون غيرهم، ليس فقط، لأن هذه الأمور الاقتصادية، تتمتع بالحصانات نفسها التى تتمتع بها حرية الصحافة والإعلام، ولكن – كذلك – لأن تقاليد المهنة وآدابها ومدوناتها الأخلاقية، تفرض على الصحفى أو الإعلامى الذى يغطى الأخبار الاقتصادية، ألا يكون مستثمراً أو صاحب مصلحة اقتصادية فى المجال الذى يغطيه.. وألا يسعى لاستغلال مهنته، لنشر ما من شأنه أن يؤثر – من بعيد أو قريب – فى أسعار الأسهم والسندات، أو فى أسعار السلع والخدمات.
والحقيقة أننى لم أدهش حين فوجئت، بعد يومين من إذاعة هذه المناظرة التليفزيونية، ببيان يصدر عن وزارة المالية، تكذب فيه ما يتردد حول زيادة أسعار السجائر، وتؤكد أنه لا نية فى الوقت الحاضر لفرض ضرائب جديدة على السجائر والتبغ، وأنه لن تكون هناك أى زيادات جديدة فى أسعار الوقود والبنزين خلال العام المالى الحالى 2017/2018، أما الذى أدهشنى فهو أن بعض الصحف وبعض الفضائيات وبعض وسائل التواصل الاجتماعى لاتزال تصر على ترويج الشائعات التى تتحدث عن رفع أسعار عدد من السلع، من بينها السجائر والوقود، ولاتزال تتحدى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ووزارة المالية، مؤكدة للمستهلك السعيد أن أسعار هذه السلع سوف ترتفع – بإذن الله – فى أقرب فرصة، بصرف النظر عن تكرار بيانات النفى والتكذيب التى تصدر عن وزارة المالية.
أما الذى لا أجد له تفسيراً حتى الآن، فهو إصرار بعض المسؤولين عن البرامج فى القنوات الفضائية المصرية، على تأكيد صحة ما تسميه وزارة المالية بالشائعات التى تتحدث عن رفع أسعار بعض السلع.. إذ هو إصرار لا تفسير له إلا أن يكونوا ممن يخزنون هذه السلع!