الدكتور مصطفى محمود يكتب: السلطان الحقيقي
قل لي فيم تفكر أقل لك من أنت.
هل أنت مشغول بجمع المال وامتلاك العقارات وتكديس الأسهم والسندات؟ أم مشغول بالتسلق على المناصب وجمع السلطات والتحرك في موكب من الخدم والحشم والسكرتيرات؟ أم أن كل همك الحريم وموائد المتع ولذات الحواس وكل غايتك أن تكون لك القوة والسطوة والغنى والمسرات..
إذا كان هذا همك فأنت مملوك وعبد.
مملوك لأطماعك وشهواتك، وعبد لرغباتك التي لا شبع لها ولا نهاية.
فالمعنى الوحيد للسيادة هو أن تكون سيدا على نفسك أولا قبل أن تحاول أن تسود غيرك. أن تكون ملكا على مملكة نفسك. أن تتحرر من أغلال طمعك وتقبض على زمام شهوتك.
والقابض على زمام شهوته، المتحرر من طمعه ونزواته وأهوائه لا يكون خياله مستعمرة يحتلها الحريم والكأس والطاس، والفدادين والأطيان والعمارات، والمناصب والسكرتيرات.
الإنسان الحقيقي لا يفكر في الدنيا التي يرتمي عليها طغمة الناس.
وهو لا يمكن أن يصبح سيدا بأن يكون مملوكا، ولا يبلغ سيادة عن طريق عبودية. ولا ينحني كما ينحني الدهماء ويسيل لعابه أمام لقمة أو ساق عريان أو منصب شاغر. فهذه سكة النازل لا سكة الطالع.
وهؤلاء سكان البدروم حتى ولو كانت أسماؤهم بشوات وبكوات، وحتى ولو كانت ألقابهم، أصحاب العزة والسعادة.
فالعزة الحقيقية هي عزة النفس عن التدني والطلب.
وممكن أن تكون رجلا بسيطا، لا بك، ولا باشا، ولا صاحب شأن، ولكن مع ذلك سيدا حقيقيا، فيك عزة الملوك وجلال السلاطين، لأنك استطعت أن تسود مملكة نفسك.
وساعتها سوف يعطيك الله السلطان على الناس. ويمنحك صولجان المحبة على كل القلوب.
انظر إلى غاندي العريان.. البسيط.. كم بلغ سلطانه؟
كان يهدد بالصوم فيجتمع مجلس العموم البريطاني من الخوف وكأن قنبلة زمنية ستقع على لندن. وكان يجمع أربعمائة مليون هندي على كلمة يقولها. وكأنها السحر.
هذا هو السلطان الحقيقي.
هذا هو الملك الحقيقي الذي لا يزول.
الحريم والقصور والكنوز والثروات والعمارات مصيرها إلى زوال.
لن تأخذها معك إلى تابوتك. سوف تنتقل إلى الورثة.. ثم إلى ورثة آخرين، ثم تصبح خرائب مع الزمن.
أما محبة الملايين فسوف تصاحبك في تابوتك وتظل علما على اسمك مدى الدهر. كما تفوح الذكرى عطرة تضوع بالشذا كلما جاء اسم غاندي على الألسن.
الغنى الحقيقي أن تستغني.
والملكية الحقيقية ألا يملكك أحد، وألا تستولي عليك رغبة، وألا تسوقك نزوة.
والسلطنة الحقيقية أن تكسب قيراط محبة في دولة القلوب كل يوم.
تذكر أن الذين يملكون الأرض تملكهم. والذين يملكون الملايين، تسخرهم الملايين، ثم تجعل منهم عبيدا لتكثيرها، ثم تقتلهم بالضغط والذبحة والقلق. ثم لا يأخذون معهم مليما.
صدقني هؤلاء هم الفقراء حقا.
المصدر : كتاب (الشيطان يحكم) للدكتور مصطفى محمود