أمينة شفيق تكتب: الحياة الكريمة والزراعة المصرية
المتابع للاهتمامات الاقتصادية سيلاحظ أن الاهتمام الاكبر، الحكومى، استمر دائما يذهب الى الصناعة ثم الى السياحة وفى النهاية تأتى الزراعة فى درجة الاهتمام الثالثة. ولكن فى الفترة الاخيرة قفزت الزراعة الى الدرجة الثانية وتحديدا مع بداية مشروع حياة كريمة ودخول الدولة الى بيت الفلاح. فالدولة المصرية اهتمت بالريف المصرى منذ عام 1952 ففتحت المدارس والوحدات المجمعة والوحدات الصحية وانشأت التعاونيات الزراعية أو ما سمتها التعاونيات وادخلت التقاوى الجديدة والاسمدة والمبيدات وبالتالى زادت من غلة الارض ولكنها لم تدخل بيت الفلاح الا مع برنامج حياة كريمة.
مع هذا البرنامج اتسعت اهتمامات الدولة بالفلاح لا كمزارع للأرض فحسب وإنما كمواطن وكإنسان فاهتمت بحياته الأسرية ودفعت بمنظمات المجتمع المدنى للعمل معها. فطورت فى المنازل و«سترتها» كما يقولون فى الريف بحيث لم تترك أسرة الفلاح فريسة للبرد والمطر او الحر الشديد وتحديدا للاستغلال الذى كان يقع على الفلاح سواء من بائعى الانابيب او من كاسحى البيارات التى بناها الفلاحون فى منازلهم انتظارا لمشاريع الصرف الصحى التى كانت تتحقق ببطء شديد. فنحن نسمع من اصدقائنا قاطنى القرى او ممن يعملون فى البرنامج، عن التغيير الذى يدخل القرى التى كانت فى الجولة الاولى. نسمع دون ان نرى ونتمنى ان تتاح فرصة الرؤية والتأكد.
ولا يعنى ذلك أن الدولة لم تهتم بالإنتاج الزراعى وإنما راعته وتحديدا عندما نفذت برنامجها الطموح الخاص بتبطين الترع وتنظيفها بحيث تحسنت حياة القرية ولم تعد تزحف عليها الزواحف من القمامة الملقاة فى تلك الترع. كما لم تعد المياه تتسرب إلى الزراعات من هذه الترع. الخلاصة ان الريف وهو الذى يمدنا بالإنتاج الزراعى ويسهم بنسبة 15% من الناتج الاجمالى القومى بدأ يأخذ حقه. وبدأنا نشعر اننا نقدم للفلاح المصرى الجانب الذى يستحقه من الحياة الكريمة المصرية التى نعرفها فى العواصم والمدن.
كما بدأنا نجنى البعض من ناتج الابحاث الزراعية التى عادت علينا بالإنتاج المحسن من الخضر والفاكهة والمحاصيل الحقلية. واقول بدأنا ولا أقول أننا وصلنا إلى درجة الكمال لأن الابحاث الزراعية التى تتجه الى الاكتفاء أو إلى الكمال لن تتحقق لأن العلم يتقدم فى كل مرحلة ليخدم الانسان مادام استمر فى العمل والبحث وراء كل جديد. واتذكر أنه فى ستينيات القرن الماضى شاهدنا اول تحسن عام فى محاصيلنا الزراعية. فى هذه المرحلة زادت غلة الفدان من القمح والذرة والارز . كما ادخلت التحسينات على محاصيل مثل الطماطم والعنب. فى هذه المرحلة بالتحديد حصلنا على انواع من الطماطم لا تفسد سريعا فى حالة انتقالها من الحقل الى المستهلك. ونفس الشيء مع العنب. كما تغيرت محاصيل خضراوات لم نكن نجدها فى الاسواق إلا فى شهور محددة كالخيار مثلا. واتسع انتاج الشمام والبطيخ بحيث أنتجنا انواعا تعطى انتاجا أكثر يفى باحتياجات الزيادة السكانية. فإذا كنا قد تمسكنا بأنواع الشمام والبطيخ القديمة بإنتاجيتها المحدودة لما استطعنا الآن اطعام الزيادة السكانية التى قفزت من منتصف الستينيات الى التاريخ الحالى بأعدادها التى تفوق المائة مليون نسمة.
الخلاصة أننا لابد من الاهتمام بالأبحاث الزراعية ونعطيها حقها حتى لا نستمر ننتظر ما يتحقق فى الخارج لننقله الى بلادنا كما حدث فى العقد الستينى المذكور. ففى ذلك العقد نقلنا الكثير من الولايات المتحدة التى قادت تلك الثورة المحصولية الرائعة.
وفى هذا الشأن لابد أن تسير الأبحاث المحصولية جنبا الى جنب مع التطور الذى بدأت الدولة فى إنجازه فى نظام الرى الذى تعود عليه الفلاح المصرى منذ أن بدأ يعرف الزراعة. فالفلاح فى ريفنا استمر يروى ارضه زمنا طويلا بأسلوب الغمر على اساس ان النيل موجود ولن يجف. ولكن منذ العقود الثلاثة الماضية بدأنا ندخل فى مجموعات الدول التى تعانى نقص المياه. والآن وقد أنجزت الدولة المرحلة الاولى من حياة كريمة ماذا ينتظرنا من عمل لنصل إلى ما نرجوه لريفنا المصرى الذى استمر يسهم بفائضه ليبنى مصر الحديثة.
وبعد أن وصلنا الى اكتفائنا الذاتى من الارز و90% من السكر نود ان نزيد من اهتمامنا بالذرة المصرية بحيث نغطى جانبا كبيرا من استيرادنا. سعيا لاكتفائنا الذاتى منها. وهو امر فى يد البحث العلمى الذى يقوم به خبراؤنا الزراعيون. ويجب ألا نعتمد على اننا سنحقق الاكتفاء الذاتى من القمح. فهذه أمنية لن تتحقق بسبب مساحة الارض المحدودة ونصيبنا من المياه المقننة باتفاقيات. بالرغم من اننا نتذكر الاغنية الشهيرة لمحمد عبدالوهاب التى وضعها فى اربعينيات القرن الماضى وكانت تحيى مزارع القمح «القمح الليلة ليلة عيده». حينذاك كنا عشرين مليون نسمة على ذات مساحة الارض. والآن تنحصر آمالنا فى انتاج اكبر كمية منه فى إطار ما هو متاح من ارض ومياه.
إن اهتمامنا بالزراعة المصرية مهم للغاية لأنه يعنى العناية بأحد فروع الانتاج السلعى فى المجتمع. وهو بجانب الإنتاج الصناعى القادر على بناء الانسان المحب للسلع والخامات التى تخلق الحالة النقدية فى القرية المصرية. أى فترة الانتعاش المالى سواء كانت من انتاج القطن الذى بدأت الدولة تعتنى به او بإنتاج الارز الذى نحقق منه الاكتفاء الذاتى. وهنا لابد ان تتفاوض الدولة مع الفلاح فى تحديد أسعار المحاصيل.